محدودة ومنخفضة أيضاً.
إذن المثل الأعلى هو نقطة البدء في بناء المحتوى الداخلي للجماعة البشرية، وهذا المثل الأعلى يرتبط في الحقيقة بوجهة نظر عامة إلى الحياة والكون، يتحدّد من قبل كل جماعة بشرية على أساس وجهة نظرها العامة نحو الحياة والكون، على ضوء ذلك تحدّد مثلها الأعلى، ومن خلال الطاقة الروحية التي تتناسب مع ذلك المثل الأعلى ومع وجهة نظرها إلى الحياة والكون، تحقق إرادتها للسير نحو هذا المثل وفي طريق هذا المثل.
إذن هذا المثل الأعلى هو في الحقيقة أيضاً يتجسّد من خلال رؤية فكرية، ومن خلال طاقة روحية تزحف بالإنسان في طريقه. وكل جماعة اختارت مثلها الأعلى، فقد اختارت في الحقيقة سبيلها وطريقها ومنعطفات هذا السبيل وهذا الطريق.
كما رأينا أنّ الحركة التاريخية تتميّز عن أيّ حركة اخرى في الكون بأ نّها حركة غائية، حركة هادفة، كذلك تتميّز وتتمايز الحركات التاريخية أنفسها بعضها عن بعض بمثُلها العليا، فلكلّ حركة تاريخية مثلها الأعلى، وهذا المثل الأعلى هو الذي يحدّد الغايات والأهداف، وهذه الأهداف والغايات هي التي تحدّد النشاطات والتحرّكات ضمن مسار ذلك المثل الأعلى.
والقرآن الكريم والتعبير الديني يطلق على المثل الأعلى في جملة من الحالات اسم الإله، باعتبار أنّ المثل الأعلى هو القائد الآمر المطاع الموجّه، وهذه صفات يراها القرآن للإله، ولهذا يعبّر عن كل من يكون مثلًا أعلى، كل ما يحتل هذا المركز، المثل الأعلى يعبّر عنه بالإله؛ لأنّه هو الذي يصنع مسار التاريخ، حتى ورد في قوله سبحانه وتعالى: «أَ رَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ»[1]
[1] الفرقان: 43