عن البناء الداخلي إلّاإذا بقي البناء الخارجي بناءً مهزوزاً متداعياً، ولهذا سمّى الإسلام عملية بناء المحتوى الداخلي إذا اتّجهت اتّجاهاً صالحاً، سمّاها بالجهاد الأكبر[1]، وسمّى عملية البناء الخارجي إذا اتّجهت اتجاهاً صالحاً بعملية الجهاد الأصغر، وربط الجهاد الأصغر بالجهاد الأكبر، واعتبر أنّ الجهاد الأصغر إذا فُصِل عن الجهاد الأكبر فَقَدَ محتواه وفَقَدَ مضمونه وفَقَدَ قدرته على التغيير الحقيقي على الساحة التاريخية والاجتماعية.
إذن هاتان العمليتان يجب أنْ تسيرا جنباً إلى جنب، وإذا انفكّت إحداهما عن الاخرى فقدت حقيقتها ومحتواها، وسمّى الإسلام العملية الاولى- عملية بناء المحتوى الداخلي- بالجهاد الأكبر تأكيداً على الصفة الأساسية للمحتوى الداخلي وتوضيحاً لهذه الحقيقة، حقيقة أنّ المحتوى الداخلي للإنسان هو الأساس، ولهذا سمّي بالجهاد الأكبر. فإذا بقي الجهاد الأصغر منفصلًا عن الجهاد الأكبر حينئذٍ لا يحقق ذلك في الحقيقة أيّ مضمون تغييري صالح.
القرآن الكريم يعرض لحالة من حالات انفصال عملية البناء الخارجي عن عملية البناء الداخلي. قال سبحانه وتعالى: «وَ مِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَ يُشْهِدُ اللَّهَ عَلى ما فِي قَلْبِهِ وَ هُوَ أَلَدُّ الْخِصامِ* وَ إِذا تَوَلَّى سَعى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيها وَ يُهْلِكَ الْحَرْثَ وَ النَّسْلَ وَ اللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسادَ»[2]. يريد أن يقول بأنّ الإنسان إذا لم ينفذ بعملية التغيير إلى قلبه، إلى أعماق روحه، إذا لم يبنِ نفسه بناءً صالحاً لا يمكنه أبداً أن يطرح الكلمات الصالحة، الكلمات الصالحة إنّما
[1] وهو جهاد النفس، كما ورد ذلك في الحديث النبوي. انظر وسائل الشيعة 15: 161، الباب 1 من جهاد النفس، الحديث الأوّل
[2] البقرة: 204- 205