وبصدد توضيح ذلك يجب أن نميّز- بصورة أساسية- بين تصوّرين للعلاقة بين القضية التجريبية- كالقضية القائلة: «كلّ حديد يتمدّد بالحرارة»- والقضايا الجزئية المحسوسة التي تكوّن منها الاستقراء- كالقضايا القائلة: «هذا الحديد تمدّد بالحرارة» و «هذا الحديد تمدّد بالحرارة» و «ذلك الحديد تمدّد بالحرارة»-:
التصوّر الأوّل: أنّ كلّ قضية من القضايا الجزئية المحسوسة المكوّنة للاستقراء تثبت جزءاً من مدلول القضية التجريبية؛ لأنّها تتناول حالة واحدة من الحالات الكثيرة التي تستوعبها القضية التجريبية. ولمّا كانت القضية التجريبية تشتمل على أجزاء اخرى- علاوة على الأجزاء التي تثبتها تلك القضايا الجزئية- فلا يمكن أن تعتبر القضية التجريبية مستنتجة من تلك القضايا الجزئية؛ لأنّ جزءاً من مدلولها لا يمكن استنتاجه منها.
وهذا التصوّر هو الذي ينسجم مع الموقف البدائي للمنطق الأرسطي من القضية التجريبية، إذ يعتبرها قضية أوّلية.
التصوّر الثاني- وهو الأصوب- أنّ كلّ قضية من القضايا الجزئية المكوّنة للاستقراء تثبت كامل مدلول القضية التجريبية، لا جزءاً منه فحسب، ولكن إثباتها لكامل مدلول القضية التجريبية إثبات ناقص. فهناك إذن- على أساس هذا التصوّر- أدلّة على كامل مدلول القضية التجريبية بعدد القضايا الجزئية التي يشتمل عليها الاستقراء، غير أ نّها أدلّة احتمالية. وبهذا تكون القضية التجريبية بكامل مدلولها قضية مستنتجة ومستدلّة كأيّ قضية نظرية ثانوية، والأدلّة بعدد تلك القضايا المحسوسة التي كوّنت الاستقراء. وقوّة الإثبات لكلّ واحدة من تلك القضايا تتوقّف على افتراض مصادرات المرحلة الاولى- المرحلة الاستنباطية- من الدليل الاستقرائي، ودرجة الإثبات تتحدّد وفقاً لماتفرضه نظرية الاحتمال