وإذا كان مبدأ الاستقراء يرتكز على احتمال غير تكراري فلا بدّ من تعريف للاحتمال على هذا الأساس.
ج- تعريف جديد للاحتمال
ونحن نرجّح استبدال التعريفين السابقين للاحتمال بتعريف ثالث. وتمهيداً لتوضيح هذا التعريف لا بدّ أن نستذكر مفهوماً تقدّم في القسم الأوّل من بحوث هذا الكتاب، وهو العلم الإجمالي، ونريد به العلم بشيء غير محدّد تحديداً كاملًا.
فإنّ العلم- أيّ علم- له معلوم، والمعلوم قد يكون مشخّصاً محدّداً، كما إذا علمت بأنّ الشمس طالعة، أو أنّ فلاناً من أصدقائك يطرق عليك الباب. ويعتبر العلم في هذه الحالة علماً تفصيلياً ومرتبطاً بشيء واحد ارتباط العلم بالمعلوم، وليس في كيان العلم التفصيلي أيّ مجال للشكّ والاحتمال؛ لأنّ ذلك الشيء المحدّد والمعلوم الذي يرتبط به العلم بوصفه معلوماً لا يقبل الاحتمال، وغيره من أشياء لا ارتباط للعلم التفصيلي بها.
وقد يكون المعلوم غير محدّد ولا مشخّص، كما إذا علمت بأنّ أحد أصدقائك الثلاثة بدون تعيين سوف يزورك، ويعتبر العلم في هذه الحالة علماً إجمالياً، وهو يرتبط- ارتباط العلم بالمعلوم- بشيء غامض غير محدّد، لا هو زيارة هذا الصديق بالذات ولا هذا ولا ذاك، بل أحدهم، ويرتبط بكلّ واحدة من الزيارات الثلاث، ولكن ليس ارتباط علم بمعلوم؛ لأنّ أيّ واحدة منها ليست معلومة، بل ارتباط علم بما يحتمل أن يكون هو الممثّل الحقيقي للمعلوم، فإنّ المعلوم لمّا كان شيئاً غامضاً وغير محدّد فمن المحتمل أن يتمثّل في أيّ واحدة من تلك الزيارات، ونطلق على كلّ واحدة من الزيارات اسم طرف العلم الإجمالي،