فلو فرضنا أنّ الحدّ الأدنى من التجارب اللازم لحصول العلم هو مائة مرّة:
فعندما نتناول قرص الأسبرين في كلّ مرّة ينتابنا فيها الصداع، ويتكرّر حصول ذلك مائة مرّة، ونرى أنّ الصداع يزول في كلّ مرّة من هذه المرّات المائة، فهنا يحكم العقل بأنّ من الممكن وجود علّة اخرى (ت) هي التي تقف وراء زوال الصداع لا تناول الأسبرين، ولكنّه يحتمل ذلك في المرّة الاولى والثانية مثلًا، ولكنّه لا يحتمل وجود هذه العلّة الخفيّة في تمام المرّات المائة. وهذا معنى استحالة كون الاتّفاق دائميّاً أو أكثريّاً.
وإذا أردنا اللجوء إلى التعبير الاصولي، لقلنا: إنّ العقل يعلم إجمالًا بأنّ الصدفة لم تتحقّق في إحدى هذه المرّات، وهذه السالبة الجزئيّة المتحقّقة في مورد العلم الإجمالي بعدم تحقّق الصدفة- ولو في بعض المرّات- تنقض الموجبة الكلّيّة. وإذا انتفت الصدفة- ولو في بعض المرّات المائة- فيتعيّن حينئذٍ أن تكون (أ) علّة ل (ب)؛ لأنّه في تلك المرّة التي يعلم فيها العقل إجمالًا بانتفاء الصدفة وعدم وجود (ت)، لا يبقى سوى (أ) علّةً ل (ب).
وعليه، يكون مرجع قاعدة استحالة الاتّفاق الدائمي إلى العلم بنقيض الموجبة الكلّيّة، أي العلم الإجمالي بالسالبة الجزئيّة، وهو العلم الإجمالي بعدم مصادفة اجتماع (أ) مع (ت) في مرّة من هذه المرّات، وإن بقي احتمال اجتماعهما صدفةً في كلّ مرّة قائماً إذا تناولناه على حدة.
والعلم الإجمالي بنحو السالبة الجزئيّة المردّد بين مختلف الأطراف والذي يقع ما نحن فيه أحد مصاديقه، يمكن تصوّره على نحوين لا يخرج عنهما:
أحدهما: أن نفرض أنّ منشأ العلم الإجمالي بانتفاء الصدفة في بعض المرّات- أي على نحو السالبة الجزئيّة- هو علمنا بالتمانع الذاتي بين الأشياء،