القاعدة الكلّيّة- وهي أنّ الاتّفاق لا يكون غالبيّاً ودائميّاً- هل هي قاعدة أوّليّة من مدركات العقل الأوّل، أم أ نّها قاعدة مبرهن عليها، فتكون من مدركات العقل الثاني لا الأوّل.
وغاية ما يستفاد من كلماتهم أنّ هذه القاعدة قاعدةّ عقليّة ومأخوذة من العقل الأوّل، لكن لم يتّضح من كلماتهم هل هي جزء من العقل الأوّل ومن الفطريّات أم أ نّها قاعدة مبرهن عليها عن طريق بعض الأوّليّات والفطريّات.
وهذا الكلام يأتي بعينه في تفسير حصول العلم بالقضايا المتواترة، فيقال:
لو لم يكن الإخبار عن وجود مكّة ناتجاً عن واقعيّة وجودها، بل كان ناتجاً عن وجود مصلحة في الإخبار عن ذلك عند زيد وعمر و … للزم من ذلك أن تكون مصالحهم قد اتّفقت دائماً على الإخبار عن وجودها مع أ نّها في الواقع غير موجودة، مع العلم بأ نّه لا ربط لزوميّاً بين مصلحة أحدهما ومصلحة الآخر، والتالي باطل، فالمقدّم مثله في البطلان.
وروّاد المنطق العقلي لم يذكروا تفسيراً آخر لحصول العلم في هذه الموارد، إمّا غفلةً منهم، وإمّا بسبب اعتقادهم بأنّ قاعدة استحالة الاتّفاق الدائمي من مدركات العقل الأوّل التي لا تحتاج إلى برهان.
إلّاأنّ تفسير حصول العلم في القضايا التجربيّة والقضايا المتواترة على أساس هذه القاعدة التي يدّعى كونها عقليّة- سواءٌ كانت من مدركات العقل الأوّل، أم مبرهناً عليها بالعقل الثاني- تفسيرٌ غير صحيح.
ونحن عندما نقبل بهذه القاعدة، فهذا يعني قبولنا دعوى القطع من قبل العقل بعدم اجتماع مجموعة كبيرة من الصدف، بمعنى أنّ العقل يحتمل اجتماع (ت) مع (أ) لمرّة أو مرّتين مثلًا، ولكنّه لا يحتمل- بل يمنع- اجتماعهما صدفةً ولمرّات كثيرة متكرّرة، كمائة مرّة أو ألف مرّة مثلًا.