البرهان، فتكون هذه المعارف من قبيل المعارف الرياضيّة التي تتولّد من العقل الأوّل بطريقة التوالد الموضوعي.
وهذا الرأي هو الذي يبدو من أكابر فلاسفة المنطق العقلي، وقد أشار إليه الشيخ الرئيس في منطق (الشفاء)[1]، حيث صرّح بأنّ التجربة بحسب الحقيقة تستبطن قياساً خفيّاً مركّباً من كبرى عقليّة وصغرى:
أمّا الكبرى، فهي أنّ الاتّفاق لا يكون غالبيّاً أو دائميّاً. ومراده من الاتّفاق الصدفة بمعناها العلمي لا الفلسفي، فقد قلنا: إنّها بمعناها الفلسفي تعني وجود المعلول بلا علّة.
وأمّا الصغرى، فهي أنّ (أ) و (ب) قد اقترنا غالباً ودائماً.
والنتيجة هي أنّ (أ) علّة ل (ب)؛ إذ لو لم يكن الأمر كذلك للزم كون الاتّفاق غالبيّاً ودائميّاً.
ويمكن صياغة هذا البرهان بلغة القضيّة الشرطيّة، فنقول: إنّ (أ) لو لم تكن علّة ل (ب) للزم كون الاتّفاق دائميّاً وغالبيّاً؛ لأنّ (ب) لو لم تكن معلولةً ل (أ) لكانت معلولةً ل (ت) في تمام هذه المرّات، ولكان اجتماع (ت) مع (أ) صدفةً في تمام هذه المرّات، وهذا هو معنى كون الاتّفاق دائميّاً، والتالي باطل، فالمقدّم مثله في البطلان.
هذه طريقة من طرق التوالد الموضوعي التي يقرّرها منطق البرهان.
ولو تمّت هذه الدعوى، فسيكون علمنا بعلّيّة (أ) ل (ب) متولّداً من العقل الأوّل بطريقة التوالد الموضوعي.
والشيخ الرئيس وغيره ممّن أشار إلى هذا المطلب لم يصرّحوا بأنّ هذه
[1] الشفاء، المنطق، كتاب البرهان: 95- 96