والمنطق الذاتي هو الذي سيتكفّل إن شاء اللَّه تعالى بالإجابة عن هذا السؤال وحلّ هذه المشكلة اعتماداً على الطريقة الذاتيّة في التفكير، وسيبيّن أ نّه لا يمكن حلّها عن طريق الطريقة الموضوعيّة في توالد الفكر، ولا على أساسٍ آخر من الاسس التي تتصوّر في المقام مع حفظ المصادرات التي بيّنّاها سابقاً.
يبقى أن نشير إلى أنّ كافّة موارد التجربة بالمعنى العلمي الحديث مشمولةٌ وداخلة ضمن نطاق البحث؛ لأنّ التجربة بمعناها الحديث فرع من فروع التجربة بمعناها المنطقي القديم. وعليه، فالمشكلة هي المشكلة، والحلّ هو الحل.
2- الحدسيّات: هذا في ما يتعلّق بالتجربيّات. وفي الحدسيّات، يأتي الكلام نفسه: فعند اقتران (أ) و (ب) في المرّة الاولى، نحتمل وجود (ت) مجهولة كانت هي العلّة في وجود (ب)، وأنّ وجودها اجتمع صدفةً مع وجود (أ) التي يظنّ أ نّها علّة (ب)، فالكلام هو الكلام.
3- المتواترات: وكذلك الأمر أيضاً في المتواترات: ففي القضيّة المتواترة نواجه أخبار عددٍ من كبيرٍ من الناس، ولكن بوسعنا تحليل هذه العمليّة: فلو جاءنا شخصٌ واحد وأخبرنا عن وجود مكّة، لما حصل لدينا العلم بذلك؛ لاحتمال كذبه ووجود مصلحةٍ دعته إلى الإخبار بذلك، لا أنّ واقعيّة المخبر عنه- وهو وجود مكّة- هي التي دعته إلى ذلك.
فوجود مكّة هو (أ)، وإخباره بوجودها هو (ب)، والمصلحة المحتملة التي تقف وراء إخباره عن وجودها هي (ت). فلو فرض عدم وجود مصلحة في الكذب، فسيكشف خبره لا محالة عن وجود مكّة، وأمّا مع وجود المصلحة في كذبه ووقوفها وراء إخباره، وأنّ إخباره ليس ناتجاً عن واقعيّة مكّة في عالم الخارج، فلن يكشف خبره عن ذلك.