ونذكر مثالًا آخر من علم الحساب: فقولهم: «إنّ مساوي المساوي مساوٍ لما يساويه ذلك المساوي» عبارة عن مصادرة اعتبروها من مبادئ علم الحساب الأوّليّة التي لا يقام عليها برهان، وبنوا عليها مسائل حسابيّة اخرى.
وهنا نأتي إلى تحديد مصادرات المنطق الذاتي التي لا يكون مطالباً بالبرهنة عليها، وهي عبارة عن ثلاث مصادرات، نتناولها في الأبحاث التالية:
1- المصادرة الاولى: حصول العلم بوصفه أمراً مفروغاً عنه:
المصادرة الاولى من مصادرات المنطق الذاتي هي حصول العلم والجزم لدى الإنسان، بمعنى أنّ المنطق الذاتي يأخذ حصول العلم لدى الإنسان أمراً مفروغاً عنه ولا يسعى للبرهنة عليه وإيجاده عند من لم يحصل لديه. فعند اقتران زوال الصداع بتناول الأسبرين لمرّات عديدة، يحصل العلم لدى الإنسان بأنّ تناول الأسبرين علّة لزوال الصداع، وليس من وظيفة المنطق الذاتي البرهنة على حصول هذا العلم أو إيجاده لدى الإنسان، وإنّما يتعامل معه بوصفه أمراً مفروغاً عنه، ثمّ تبدأ وظيفته من حيث يحصل العلم المذكور ليفلسف الموضوع ويقدّم تفسيراً لحصوله.
ثمّ إنّ المنطق الذاتي عندما يتحدّث عن العلم لا يقصد به اليقين بالمصطلح المنطقي، وهو الموصوف هناك بأ نّه «مضمون الحقّانيّة»، وإنّما يتحدّث عن العلم بمعناه اللغوي، وهو الجزم الذي لا لبس فيه ولا شكّ[1]. فالإنسان عندما
[1] « العلم: اليقين الذي لا يدخله الاحتمال، هذا هو الأصل فيه لغةً وشرعاً وعرفاً»( مجمع البحرين: 120)