الفكرين وموضوعَيهما، بل إنّ الفكرة- بما هي فكرة- استدعت فكرةً اخرى.
ومن هنا كان موضوع المنطق الذاتي هو الأفكار نفسها بما هي هي، بخلاف المنطق العقلي البرهاني القائم على التوالد بين الأفكار لا بما هي هي، بل بما هي انعكاسٌ لموضوعاتها ومتعلّقاتها في عالم الواقع.
تمييز المنطق الذاتي عن علم النفس:
بناءً على بياننا للمنطق الذاتي وموضوعه، نصل إلى الاعتراض الذي قد يسجّل عليه، وذلك من جهة انتمائه إلى علم النفس. وهذا الإشكال سبق أن ذكرنا أ نّه وجّه أيضاً إلى المنطق العقلي، وذكرنا هناك أنّ إثارته حول المنطق الذاتي أقوى وأكثر استحكاماً من إثارته حول المنطق الصوري؛ لأنّ موضوع المنطق الصوري على ضوء ما بيّنّاه ليس الفكر، وإنّما الامور الواقعيّة التي يكون لها دخل في تنظيم صورة هذا الفكر.
وحيث إنّنا اعترفنا بأنّ موضوع المنطق الذاتي هو الفكر، فإنّنا مطالبون بالتمييز بينه وبين علم النفس؛ لكي يكون علماً قائماً برأسه في مقابل علم النفس.
وحاصل التمييز بين العلمين: أنّ علم النفس يتناول الفكر بوصفه جزءاً من مجموع العوامل والمؤثّرات النفسيّة الدخيلة في توليد الأفكار. أمّا المنطق الذاتي فيتناول الفكر معزولًا عن سائر هذه العوامل المذكورة ما عدا العقل؛ فعندما يتحدّث المنطق الذاتي عن علّيّة تناول حبّة الأسبرين لارتفاع الصداع، فإنّه يقصر النظر على عامل العقل، بينما يتناول علم النفس الموضوع دون تهميش العوامل النفسيّة الاخرى التي تتداخل مع بعضها البعض، فيأخذ بعين الاعتبار مثلًا الرغبة النفسيّة تجاه حبّة الأسبرين الموجودة عند مكتشف هذا الدواء، بينما يخرج ذلك عن مدّ نظر المنطق الذاتي.