موضوع المنطق الذاتي وطريقة توالد المعرفة:
يتناول المنطق الذاتي الطريقة الذاتيّة في تولّد المعرفة، فهو يتناول بالبحث الفكر نفسه ولا علاقة له بمتعلّق هذا الفكر. أو بتعبير آخر: هو يبحث عن اللزوم الحاصل بين معرفة واخرى، وكيف أنّ إحداهما تستلزم الاخرى، دون أن يكون بين موضوعَي هاتين المعرفتين لزومٌ في نفس الأمر والواقع.
ولنضرب على ذلك مثالًا: فإنّ الإنسان يرى أ نّه كلّما قرّب الورقة إلى النار احترقت، وأ نّه كلّما تناول الدواء الفلاني- الأسبرين مثلًا- حصلت لديه حالة معيّنة، كزوال الصداع. وما يراه الإنسان في هذه الحالة يولّد لديه اعتقاداً بأنّ حبة الأسبرين- مثلًا- علّة لرفع الصداع.
دعونا الآن ننظر إلى المسألة من وجهة نظر المنطق العقلي: فالمنطق العقلي لا يرى علّة أو لزوماً بين تناول الأسبرين وبين ارتفاع الصداع؛ إذ لعلّ اقتران هاتين الظاهرتين كان صدفةً، فيكون اللازم (وهو ارتفاع الصداع) أعمّ من الملزوم (وهو تناول حبّة الأسبرين)، بمعنى أ نّه قد يكون ناتجاً عن كون التناول علّة لزوال الصداع، وقد يكون الزوال قد وقع صدفةً. ومع كون اللازم أعمّ من الملزوم، فلا مجال للاعتقاد باللازم الخاصّ، وهو العلّيّة بين الأمرين، فيكون الاعتقاد المتولّد لدينا اعتقاداً باطلًا.
هذا كما قلنا من وجهة نظر المنطق العقلي، ولكنّنا مع ذلك نجد من أنفسنا هذا الاستنتاج على الرغم ممّا يقوله هذا المنطق.
وهذا الاستنتاج في الحقيقة عبارة عن طريقة اخرى في التفكير والتوالد تختلف عن طريقة التوالد الموضوعي التي سبق أن تحدّثنا عنها، ونطلق عليها اسم طريقة (التوالد الذاتي)، وذلك باعتبار أ نّه لا ربط ولا لزوم بين متعلَّقَي