الصوري- عندما يبحث عن صورة الفكر فهو في الحقيقة يبحث عن الملازمة بين الصورة وبين النتيجة، إيجاباً وسلباً، فيميّز بين الصورة التي تلزم منها النتيجة وبين التي لا تلزم منها.
إذا اتّضح هذا، يتّضح أنّ ما يعالجه المنطق العقلي- أو الصوري- عندما يتناول الملازمة بين صدق الصغرى والكبرى وبين صدق النتيجة هو بحسب الحقيقة أمرٌ واقعي محفوظٌ في لوح الواقع، مع قطع النظر عن الفكر وعن أيّ مفكّر في عالم الخارج، وهو يبحث في هذه الامور الواقعيّة التي يكون لها دخل في تنظيم صورة الفكر بهدف أن يكون تولّد المعرفة تولّداً صحيحاً مطابقاً لنفس الأمر الواقع.
ونخلص من هذه المقدّمات إلى تحديد موضوع علم المنطق العقلي بتعبير آخر، فنقول: إنّ أيّ أمر واقعي يكون له دخلٌ وتأثيرٌ في تنظيم صورة الفكر ويوجب صحّة تولّد فكر من فكر ومطابقة الفكر المتولّد مع ما هو عليه الواقع، فهو موضوعٌ لعلم المنطق.
وهنا نأتي إلى تحديد أعمق لموضوع علم المنطق العقلي: فقد اتّضح لنا أنّ لكلّ فكر متعلّقاً محفوظاً في عالم الواقع، وهو المعبّر عنه ب (موضوع الفكر) أو (موضوع المعرفة)، وأنّ تولّد فكرٍ من فكرٍ آخر والربط الموجود بينهما ناشئٌ بحسب الحقيقة من الربط المحفوظ في عالم الواقع بين متعلّقيهما. والمنطق العقلي لا يتناول بالبحث تولّد فكرٍ من آخر، وإنّما يتناول التولّد الأعمق الحاصل في رتبة سابقة، فلا يكون موضوع علم المنطق العقلي هو تولّد الفكر من الفكر، وإنّما التولّد الحاصل بين متعلّقيهما، وهو الذي نعبّر عنه ب (التوالد الموضوعي) في مقابل (التوالد الذاتي).