له ذلك بمجرّد رؤيته الحرارة مع النار عدّة مرّات؟! هذا ما نجيب عنه.
إذن: فالفرق بين المنطق الذاتي وبين علم النفس يكمن في أنّ علم النفس يتناول في بحوثه العاديّة الفكر محكوماً لتمام العوامل والمؤثرات؛ لأنّ عمليّة التجريد لا تنطبق على الواقع الخارجي، وعلم النفس يلجأ إلى التجربة وملاحظة الأفراد في عالم الخارج، شأنه في ذلك شأن سائر العلوم التجريبيّة. أمّا المنطق الذاتي، فيتناول الفكر مجرّداً عن كلّ العوامل والمؤثّرات عدا العقل، ثمّ يبحث في كيفيّة تولّد الفكر من الفكر.
التمييز بين مادّة الفكر وصورته:
كنّا بصدد الحديث عن المنطق الذاتي وتمييزه عن سائر فروع المعرفة، وقد شرعنا في بيان ما يختلف فيه مع المنطق العقلي الأرسطي، الذي عنينا به المنطق البرهاني.
وقلنا في هذا الصدد: إنّ كلّاً من هذين المنطقين يبحث عن طريقة في التفكير تختلف عن الطريقة التي يبحث عنها المنطق الآخر: فالمنطق الذاتي يبحث عن قوانين الطريقة الذاتيّة في تولّد المعرفة، بينما يبحث المنطق العقلي عن قوانين الطريقة الموضوعيّة في ذلك.
وتوضيح الفكرة: أنّ الفكر من وجهة نظر المنطق العقلي تارةً يلحظ من حيث مواده، واخرى من حيث صورته:
ففي قولنا: «العالم متغيّرٌ، وكلّ متغيّر حادث، فالعالم حادث»: (تغيّر العالم) و (حدوث المتغيّر) مادّتان من مواد الفكر البشري، فيلحظ صدقهما أو كذبهما في مقام حكايتهما عن الخارج.
وتارةً اخرى لا يلحظ صدق المواد أو كذبها وإنّما تلحظ صورة الفكر،