وحاصل الإشكال: أنّ علم المنطق يمارس الموضوع الذي يمارسه علم النفس، فهو ليس علماً مستقلّاً، بل هو فرع وشعبة من شعب علم النفس؛ لأنّ علم النفس يبحث عن النفس البشريّة وظواهرها وخصوصيّاتها، وذلك: إمّا بالطريقة القديمة، وإمّا بالطريقة الحديثة القائمة على أساس التجربة والملاحظة.
فعلم المنطق إذن يتطفّل على علم النفس؛ لأنّه يبحث عن قوانين الفكر البشري وكيفيّة تسلسلها ونشوئها من الأفكار الاخرى عند الإنسان، والفكر ظاهرة من ظواهر النفس البشريّة، ولهذا لا ينبغي أن يكون علم المنطق علماً قائماً برأسه، بل حقّه أن يكون فرعاً من فروع علم النفس؛ لأنّه يتناول ظاهرة من ظواهر هذه النفس- وهي التفكير- ويجعلها موضوعاً لدراسته.
وهذا الإشكال الموجّه إلى علم المنطق معروف في أوساط الاتّجاهات الحديثة.
الجواب عن إشكال المحدثين على ضوء المنطق العقلي:
لقد اجيب عن الإشكال المتقدّم بأنّ علم المنطق موضوعه هو التفكير الصحيح، وأنّ هذا العلم إنّما يسعى لتنظيم التفكير لدى الإنسان ليجعله صحيحاً.
ولكنّ الصحيح في مقام الجواب عن هذا الإشكال يظهر ممّا بيّنّاه: فإنّ علم المنطق العقلي لا يبحث عن الفكر وخواصّه، وإنّما يبحث عن امور واقعيّة ذاتيّة أزليّة أبديّة، تدخل في عمليّة توليد الفكر للفكر. فهو يبحث عن تلك الامور الواقعيّة الأجنبيّة عن الفكر وخواصّه، والثابتة على أيّة حال، سواءٌ وجد إنسان أم لم يوجد. وليس موضوع علم المنطق هو الفكر حتّى يقال: إنّ موضوعه متّحد مع موضوع علم النفس، فينبغي للمناطقة أن يوكلوه إلى علماء النفس ليقرّروا مشاكله، باعتبار أ نّهم- أي المناطقة- غير أخصّائيّين في هذا العلم .. فإنّ المنطق