ب- وأمّا إذا كان الآخر مديناً، فلا يكون مالكاً لذمّته بهذا المقدار، أي بمقدار ما يشغل ذمّته، بل المالك لها بهذا المقدار هو نفس المدين الأوّل- الذي هو دائن هذا المدين-، فهو يحمل- بلا إذن منه- المال الموجود في ذمّته ويوقعه في نفس الموضع الذي كان يشغل دينه الذي يملكه.
وهذه العمليّة بنفسها يتحقّق بها إفناءٌ واشتغال، أي إفناءٌ لدينه السابق، وهذا ما يكون بيده؛ لأنّه مالكٌ له، وإشغال بهذا؛ لأنّه- باعتباره دائناً- يملك هذا المقدار من هذه الذمّة، فله أن يشغله بدينٍ آخر؛ ولهذا يشترطون أن تتّحد الصفة والمقدار والخصوصيّة، حيث يكون له حقٌّ بهذا المقدار لا أكثر.
وهذه نتيجةٌ تحتاج إلى الكثير من التفصيل والتوضيح والتحقيق، الأمر الذي نوكله إلى محلّه.
2- نقد نظريّة الدكتور عبد الرزّاق السنهوري:
ذهب الدكتور عبد الرزّاق السنهوري[1] إلى أنّ الفقه الإسلامي لم يعرف معنى الحوالة، وكأنّ شأنه في ذلك شأن الفقه الروماني، واستعرض قولًا لفقهاء- مثل الشيخ الزرقاء[2]– كانوا يدّعون أنّ الفقه الإسلامي عرف حوالة الدَّين ولم يعرف حوالة الحقّ. ولعلّ الدكتور السنهوري ينكر معرفة الفقه الإسلامي بالحوالتين معاً، فمن العجيب أن يقال: إنّه عرف حوالة الدَّين ولم يعرف حوالة الحقّ، مع أنّ هذا خلاف نسق التطوّر الطبيعي للفكر الفقهي؛ فإنّ الفقه
[1] الوسيط في شرح القانون المدني الجديد 3: 421، 436- 437
[2] التمثيل من الشهيد الصدر قدس سره لا من الدكتور السنهوري، ويبدو أ نّه في غير محلّه؛ لأنّ الشيخ الزرقاء يرى ثبوت حوالة الحقّ وحوالة الدَّين على حدٍّ سواء، فراجع: المدخل الفقهي العامّ 3: 57- 68