العهدة هنا لا تكفي؛ إذ أين مملوك هذا المالك؟! والعهدة إنّما هي عهدة إيصال المال إليه، فأين ماله وقد تلف المال الخارجي؟! فلا بدّ من أن نفرض له مالًا، وليس إلّاذاك الفرض الذي يكون في وعاء الذمّة، حيث هو وعاء الأموال، فنفرض للغاصب مالًا فيها ونقول: «إنّ في ذمّته مالًا»، وهو ما لا ينافي بقاء العهدة، لكنّها عهدة المال الكلّي لا المال الشخصي، أي أ نّه بعد أن تلفت العين اشتغلت الذمّة بالمال الكلّي والعهدة بمسؤوليّة دفع هذا المال الكلّي، فأصبح عنده الآن عهدةٌ وذمّة.
النسبة بين الذمّة وبين العهدة:
هذا هو الفرق بين مصطلحي: (الذمّة) و (العهدة)، والنسبة بينهما- وفق استقراء الفقه الإسلامي- هي العموم من وجه؛ فقد تثبت عهدةٌ وذمّة، وقد تثبت عهدةٌ ولا ذمّة، وقد تثبت ذمّةٌ ولا عهدة.
1- أمّا موارد اجتماع العهدة والذمّة، فهي الغالب.
2- وأمّا موارد انفكاك العهدة عن الذمّة- بمعنى وجود عهدة وعدم وجود ذمّة- فلها مصاديق كثيرة في الفقه، منها:
أ- الغاصب قبل تلف العين المغصوبة، حيث العهدة موجودة دون الذمّة؛ لأ نّه مكلّف ومسؤول عن إيصال المال إلى صاحبه.
ب- ومنها ما لو فرض أ نّه توارد على الكتاب الواحد المغصوب أيادٍ متعدّدة وتلف في يد الأخير، وقلنا: إنّ تكليف الأخير تكليفٌ وضعي وتكليفَ مَنْ قَبْلَه تكليفٌ صرف- كما اختار ذلك صاحب (الجواهر)[1]– فحينئذٍ- بناء
[1] جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام 26: 113، 37: 34