بين الذمّة وبين العهدة.
إلّاأنّ ما افيد من أنّ الذمّة وعاء الكلّيّات لا الأعيان الشخصيّة وإن كان صحيحاً ولطيفاً، إلّاأ نّه ليس لأجل أنّ العهدة وعاء الأعيان الشخصيّة والذمّة وعاء الامور الكلّيّة؛ بل لأنّ الذمّة حيث كانت وعاء الأموال بالمعنى الحرفي- تلك الأموال التي نريد أن نصبّ عليها الملكيّة بهذا المعنى المشير إلى الخارج- وكانت هذه العين الخارجيّة عيناً خارجيّة قائمة بالفعل، فالملك منصبّ عليها بالمعنى الاسمي، ولا تحتاج حينئذٍ ملكيّةُ العين الخارجيّة إلى استحداث رمز يدخل في وعاء الذمّة ثمّ تنصبّ عليه هذه الملكيّة، فإذا جاءت الحقيقة بطل الرمز؛ فما دامت الملكيّة قد وجدت مجالًا لأن تنصبّ على المعنى الاسمي، فلا موجب- بحسب الارتكاز العقلائي- لاستحداث رمز ومعنى حرفي لهذا المعنى الاسمي وصبّ الملكيّة على ذلك المعنى الحرفي في وعاء الذمّة استطراقاً إلى ملكيّة العين؛ فإنّه تحصيلٌ للحاصل بالعناية والتعبّد.
ولهذا انعقد الارتكاز العقلائي على أنّ الذمّة ليست وعاءً للعين الخارجيّة؛ على أساس أ نّها وعاءٌ رمزي للمعاني الرمزيّة، وعاءٌ نحتاجه حينما تعوزنا الحقيقة ونريد أن نصبّ الملكيّة عليها ولا تكون موجودةً، فنستحدث رمزاً نصبّ الملكيّة عليه بما هو معنى حرفي.
أمّا حيث تكون الحقيقة قائمة ويكون انصباب الملكيّة على نفس الموجود الخارجي ممكناً، فلا وجه بعد هذا لإدخال العين إلى عالم الذمّة وتحويلها من خارج إلى رمز ومن معنى اسمي إلى معنى حرفي وصبّ الملكيّة عليها.
فالذمّة- بناءً على هذا- إنّما لا تدخلها العين الخارجيّة لهذا السبب،