أجل الوقوف على الافتراض المطابق للارتكاز العقلائي في تفسير المعاوضة، ونأخذ البيع مثالًا لتطبيق ذلك عليه.
الافتراضات المتصوّرة في تحليل بُنية المعاوضة:
1- رجوع مفهوم البيع إلى مقولة التملّك بالحيازة بعد الإعراض:
الافتراض الأوّل: أن يقال: إنّ مرجع التملّك بالبيع إلى التملّك بالحيازة؛ ذلك أنّ الذي يحوز مالًا ويريد بيعه لآخر يرجع بيعه بحسب الحقيقة إلى إبراز الإعراض عن المال. وسوف نشير في ثنايا البحث إلى أنّ الإعراض مسقطٌ عامّ للملكيّات الناشئة بالحيازة وفقاً للارتكاز العقلائي والحكم الشرعي معاً.
إذن: فالإعراض بنفسه مسقطٌ لأثر الحيازة، ومعه يمكن القول برفع يد البائع عن المال استطراقاً لوضع المشتري يده عليه، فيصلح هذا المال- بعد سقوط حيازة الأوّل- لتملّكه بحيازة جديدة من طرف المشتري.
نعم، حيث لم يكن الإعراض مطلقاً وإنّما استُطرق لمصلحة المشتري، لم يجز لطرفٍ ثالثٍ اغتنام الفرصة بعد الإعراض والقيام بالحيازة؛ إذ الإعراض الاستطراقي لا يفسح المجال إلّاللمستطرَق إليه أن يمارس الحيازة طبقاً للمرتكزات العقلائيّة.
وهذا الافتراض معقولٌ ثبوتاً في تفسير المعاوضات، لكنّه غير مطابق للارتكاز العقلائي، فلا يصحّ إثباتاً؛ وذلك:
أوّلًا: إنّ البيع غير محتاجٍ إلى القبض بحسب الخارج؛ فإنّ المرتكز عقلائيّاً في تأثير البيع أ نّه يؤثّر حتّى قبل القبض والإقباض الخارجيّين. وعلى أيّة حال، فلو صحّ ما يستشمّ من كلمات الفقهاء الواردة في موارد مختلفة من أنّ الارتكاز