الثانية؛ فإنّ من يحوز قد يفرض أنّ الحيازة تكون مقصودةً بحيث توجد هذا النحو من التجزئة، كمن حفر بئراً في الطريق لأجل أن ينتفع به أو يشرب منه المستطرق؛ إذ لا يبعد أن يقال: إنّه بهذه الحيازة يوجِد له نحواً من ملكٍ أو حقّ، كما يوجد نحو حقٍّ للمستطرقين؛ فهذا الحائز يضيّق دائرة ملكيّته تبعاً للقصد من الحيازة، فيجعل لنفسه شريكاً معه في هذه البئر.
4- الصورة الرابعة: القرض، حقيقته وتقوّمه بالقبض:
في هذه الصورة يريد المالك فيها الجمع بين اقتضاء الضمان وبين اقتضاء الملكيّة، فتؤثّر اليد في كلا المقتضيين، أي التمليك على وجه الضمان. وهذه هي حقيقة القرض، ولهذا قلنا: إنّ القرض متقوّم بالقبض، فلا قرض قبل القبض؛ لأنّ تملّك المقترض إنّما كان بالحيازة لا بإنشاءٍ معامليّ لفظي من قِبَل المقترض، غاية الأمر أنّ هذه الحيازة أذن لها التأثير المقرون بالضمان، وهذا الضمان- بناءً على هذا التحليل- عبارة عن ضمان اليد الذي يسمّيه الفقهاء: (ضمانَ الغرامة)[1]، لا ضماناً منشأ مجعولًا من قبل المقرِض نفسه.
ووجه كون هذا الضمان ضمانَ الغرامة- على ما بيّنّاه أيضاً- أنّ هذه اليد تخرج المال عن كونه مالًا له، فيكون قد تلف عليه، فتشتغل ذمّة المقترض بالبدل بمجرّد وضع يده عليه، لا بتلفه خارجاً؛ لأنّ تلفه على المالك كان قد تحقّق بنفس وضع يده عليه، وإن بقي على حاله بعد ذلك. وهذا هو المعنى العلمي التحقيقي لكلام الشيخ الأعظم الأنصاري رحمه الله حينما اعتبر القرض
[1] راجع مثلًا: بلغة الفقيه 1: 152؛ حاشية كتاب المكاسب( اليزدي) 3: 501؛ حاشية كتاب المكاسب( الإصفهاني) 1: 352