وبهذا يظهر أنّ المنشأ في الوديعة يوجب بنفسه ما يرفع اقتضاء الضمان.
أمّا المنشأ في غير الوديعة من عقود الأمانات، فهو يوجب ذلك أيضاً، لكن بإطلاقه، لا بنفسه؛ لأنّ المنشأ فيه هو التسلّط والرضا، وبمطلقهما يغدو موجباً لذلك، لا بصرف وجودهما ولو مقيّداً، بأن لا يكون على وجه الضمان.
ولهذا اتّفق الفقهاء في الوديعة على بطلان جعل الضمان، أمّا في غيرها من عقود الاستئمان فاختلفوا في ذلك[1].
قد يقال: إنّ الفقهاء إن كانوا يرون أنّ اشتراط الضمان جائز؛ بمقتضى أنّ المؤمنين عند شروطهم، إذن: فكلاهما جائز. وإن لم يكن جائزاً، ففي كليهما كذلك، فكيف اتّفقوا في الوديعة على عدم الجواز، واختلفوا في موارد الاستعمال الاخرى في الجواز وعدمه؟!
والجواب: إنّ نظر المتّفقين هنا والمختلفين هناك ليس إلى الضمان المجعول بالشرط (والمشهور- كما في: العروة الوثقى[2]– عدم النفوذ، والصحيح هو النفوذ) حتّى يقال: إنّ دليل وجوب الشرط نسبته إلى تمام هذه العقود واحدة، وإنّما ينظرون إلى مسألة ضمان اليد، حيث إنّ المنشأ في عقد الوديعة بذاته يسلخ اليد عن اقتضاء الضمان. أمّا في غيرها من عقود الاستئمان، فبإطلاقه يوجب ذلك لا بذاته؛ ممّا يجعله قابلًا للتقييد لا محالة؛ فلو تحفّظ المالك على الضمان في باب الوديعة لكان هذا خلاف المُنشأ فيها. أمّا لو تحفّظ عليه في غيرها، فيكون مخالفاً لإطلاق العقد لا لنفسه. من هنا، كان هذا التحفّظ
[1] في: جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام 27: 217 أ نّه يمكن دعوى معلوميّة عدم جواز اشتراط ضمان الوديعة ونحوها من الأمانات من مذاق الشرع
[2] العروة الوثقى 5: 404، وانظر: المباني في شرح العروة الوثقى( المضاربة والمساقاة): 466