نعم، لو فرض أنّ الكبرى غير ممضاةٍ، كما هي الحال في الوعد الابتدائي، فلا لزوم ولا وعد ابتدائيّاً؛ لأنّ الكبرى تحتاج إلى جعل، وهي غير مجعولة. أمّا لو جعلت الكبرى، فحينئذٍ يقال: حيث إنّه مسلّط على نفسه، فهو أولى بأن يدخل في عهدته هذا الإلزام، فينفذ ما يحمّل نفسه بنفسه.
من هنا يظهر في الذهن العقلائي وعاء العهدة، وكأ نّه وعاء يحمل هذه الإلزامات والمسؤوليّات الثابتة بمدركات العقل العملي، كما يستوعب تلك الجعليّة الاعتباريّة الثابتة من قبل القانون، من قبيل تحميل النفقة على والديه، أو أيّ تحميل من قِبَله على فرض إمضاء الكبرى من قبل القانون، مثل تحميله نفسَه بالنذر والشرط في ضمن عقد لازم، أو ما شابه ذلك ممّا وقع الإمضاء القانوني لكبراه. هذا هو وعاء العهدة.
وسوف يظهر فيما بعد- إن شاء اللَّه- أنّ هذه العهدة هي التي يعبّر عنها الفقهاء ب (الضمان)، سواءٌ اريد بالضمان الضمان المعاوضي أم اريد به ضمان الغرامة؛ لأنّ الضمان يستبطن- بتمام أقسامه- مسؤوليّات؛ فالغرامة عبارةٌ عن عهدة إرجاع المال إلى المالك:
ففي مورد الغصب، تكون العهدة عهدةَ الغرامة وضمانها، أي مسؤوليّة الغاصب إزاء إرجاع المال إلى المالك، وهو ما نسمّيه: (ضمان الغرامة).
أمّا ضمان المعاوضة، فيعني مسؤوليّة البائع إزاء إعطاء المبيع إلى المشتري وتسليمه بيده، كما أنّ المشتري مسؤول عن إعطاء الثمن إلى البائع، فهذه المسؤوليّة- أي مسؤوليّة التسليم والتسلّم والقبض والإقباض- نسمّيها:
(ضمان المعاوضة)، وإنّما جاءت التسمية بالضمان باعتبار النصّ.
فالعهدة كأ نّها تتضمّن هذه الامور، ومرجع الضمان والعهدة إلى شيء واحد في المقام.