أولى من غيره، أي أ نّه متى ما دار الأمر بينه وبين غيره في مقام الاستفادة من هذه النفس وقواها وشؤونها فهو أولى من غيره بذلك. وهذه الملكيّة إنّما جعلت في المرتبة الثانية لا لتفرّعها عنها أو نشوئها منها، بل لأنّها محكومة لنا؛ حيث إنّ الإنسان أولى من غيره بنفسه، لكنّ هذه المولويّة تندكّ في المولويّة الاولى التي تعيّن حقّ اللَّه بالنسبة إلى الإنسان ومولويّته. ولأجل أ نّها تندكّ كذلك فقد جعلت في المرتبة الثانية.
فحاصل هذه الملكيّة: كون الإنسان أولى من غيره بالتصرّف والاستفادة من نفسه وقواه وقابليّاته. ولعلّ هذا المعنى من الملكيّة هو الذي أصبح بعدها منشأً لمفهوم الملكيّة لدى سائر المجتمعات البشريّة العقلائيّة، والوجدان الذي يتمثّل في هذا الأمر الواقعي المدرك بالعقل العملي وهذا المفهوم جُسّد حينئذٍ بتجسيدات اعتباريّة متعدّدة ضمن التشريعات والقوانين التي تختلف من مجتمعٍ إلى آخر في مفهوم الملكيّة.
إذن: لعلّ هذا الأمر الواقعي- الذي هو من أوّليّات العقل العملي- هو الذي أدّى إلى وقوع هذا المفهوم في صراط الجعل والاعتبار والتشريع.
وهذا المعنى من الملكيّة- أي كون الإنسان أولى من غيره بنفسه- لا ينافي أن يكون الإنسان ممنوعاً عن بعض أنحاء التصرّف في نفسه وفي قواه وقابليّاته، وذلك من قِبَل مولىً له حقّ المنع بالنسبة إليه بقانون نافذ عليه، وهو- بحسب نظرنا- منحصر في اللَّه سبحانه و تعالى؛ فمثل هذا المنع الناشئ من القانون الثابت عليه والنافذ لا ينافي كونه بحدّ نفسه مالكاً لهذا العمل بذاك المعنى من الملكيّة، أي هو أولى به من غيره، وإن كان في نفسه ممنوعاً عنه، كالغناء؛ فالغناء في نفسه لا يجوز له بمقتضى قانونٍ نافذ يحجر عليه أن يستفيد من مواهبه فيه، لكنّ هذا لا ينافي مالكيّته لهذا العمل أيضاً باعتباره شأناً من شؤون وجوده،