3- مقولة الجدَة والمقولات الأرسطيّة:
أمّا القسم الثالث، وهو مقولة الجدة، فلا نريد الدخول في بحثها؛ إذ لا نرمي هنا الخوض في الموضوع الفلسفي. إلّاأنّ هؤلاء الأصلحين الذين ذكروا مقولة الجدة في المقام أخذوها عن الفلاسفة الذين لم يفهموا أنفسهم معناها، بشهادة الشيخ الرئيس ابن سينا؛ حيث يرى أ نّه لم يتحصّل له معنىً لمقولة الجدة[1]، فهل هي الهيئة الحاصلة لالتصاق شيء أو إحاطة شيء بشيء آخر، بحيث يتحرّك بحركته فتكون هذه الهيئة هي مقولة الجدة بعينها؟
فمقولة الجدة ليست نسبة العمامة إلى المتعمّم، أو نسبة المتعمّم إلى العمامة؛ لأنّ هذه النسبة تدخل في مقولة الإضافة ولا تندرج في مقولة الجدة، فأراد الفلاسفة فصل مقولة الجدة عن مقولة الإضافة؛ ولهذا قالوا: هيئة قائمة، كما قالوا في (الأين): هيئة قائمة متحصّلة من نسبة الشخص إلى المكان، لا عين نسبته إلى المكان[2].
وهذه المقولات بأجمعها لا محصّل لها؛ فلا بُرهان على خارجيّة هذه الهيئات، بل يمكن أن يقدّم افتراضٌ آخر هنا مساوٍ للافتراض المذكور عند الفلاسفة، وهو أن تكون من خصوصيّات الصورة الذهنيّة، أي أنّ الإنسان حينما يتصوّر موجوداً خاصّاً مرتدياً قميصاً معيّناً يدمج نسبة القميص إلى المتقمّص ونسبة المتقمّص إلى القميص، ثمّ ينتزع منهما هيئةً خاصّة في صورته الذهنيّة،
[1] « وأمّا مقولة الجدة، فإنّي إلى هذه الغاية لم أتحقّقها»( الشفاء، الطبيعيّات، السماع الطبيعي: 106)،« وأمّا مقولة الجدة فلم يتّفق لي إلى هذه الغاية فهمها»( الشفاء، المنطق، المقولات: 235)
[2] انظر: شرح المنظومة 2: 491- 492؛ بداية الحكمة: 103- 105؛ نهاية الحكمة: 173