البراهين مدركة بالعقل الأوّل، ولديه براهين اخرى مدركة بالعقل الثاني. وإلى جانب هذه البراهين هناك معلومات لا يمكن أن نقول: إنّها مدركة بالعقل الأوّل ولا بالعقل الثاني، وعبّرنا عنها هناك أ نّها مدركة بالقريحة.
وهناك ذكرنا أنّ السبب في عدم كونها مدركة بالعقل الأوّل هو أنّ ثبوت المحمول فيها للموضوع ليس ثبوتاً ذاتيّاً وأوّليّاً، وهذا ممّا يختلف الناس فيه، مع أنّ مقتضى كونه من العقل الأوّل أن لا يقع محلّاً للخلاف بينهم.
أمّا عدم كونها من مدركات العقل الثاني؛ فلأنّ العقل الثاني متقوّم بالحدّ الوسط، وهو غير متعيّن في المقام.
لهذا وذاك قلنا: إنّ القضايا التي تكون من هذا القبيل يحصل العلم بها نتيجةً للقريحة الناشئة من طريقة كلّ إنسان في التفكير ومنهجه في الاستنتاج وسير الفكر من المبادئ إلى المطالب ومن هذه المطالب إلى مبادئ. إنّ هذه الحركة من المبادئ إلى المطالب وبالعكس تختلف بين إنسان وآخر من ناحية الطبيعة والمنهج والخصوصيّات؛ فهذه القريحة قد تدفع بإنسانٍ إلى الاعتقاد بثبوت شيءٍ لشيء نتيجة وجود همزة وصل وعلاقة بين الشيئين، وإن لم تتبيّن لديه هذه العلاقة على نحو التفصيل. وهذا الاعتقاد قد ينجم عن القريحة، لا عن علمه التفصيلي بالعلاقة التي تربط بينهما. كما أنّ من الممكن ثبوت شيء لآخر نتيجة حدٍّ أوسط غير متعيّن لديه ..
ومن هنا نجد اختلاف الناس في ما يتعلّق بهذا النوع من البراهين مع افتراض اتّفاقهم ضمن دائرة العقل الأوّل، ومع افتراض عدم وجود غفلة أو ذهول أو قصور في تصوّر الموضوعات أو المحمولات:
فبعض الفلاسفة مثلًا يذهب إلى صحّة البرهان الفلاني، بينما لا يصحّحه آخر، ويكون اختلافهما في التصحيح ناجماً عن اختلاف في القرائح، الناجم