وقد ذكرنا في مقام تفسير هذا الضعف: أنّ العادة تقوم على أساس الجمع بين تصديقين تأنس النفس باجتماعهما وتستوحش من افتراقهما، ولذلك تعمد إلى إيجاد أحدهما عند فقد الآخر.
وقد قلنا: إنّ هذين التصديقين تصديقان بقضيّتين جزئيّتين؛ وذلك باعتبار أنّ الأساس الحسّي للعلم لا يمكن أن ينتج سوى قضيّة جزئيّة؛ إذ أنّ التكرّر- الذي هو منشأ العادة- هو تكرّر اجتماع قضيّتين جزئيّتين. أمّا العلم على نهج القضيّة الحقيقيّة- أو بحسب تعبيرهم: على مستوى القانون العلمي- فلا يمكن الحصول عليه من خلال التجربة، كما لا يمكن الحصول عليه من خلال التجارب التي قام بها بافلوف بتسريته الإشراط من المنبّه الطبيعي إلى المنبّه الشرطي، وغاية ما توصّلت إليه هذه التجارب هو جعل غير المنبّه منبّهاً، ولكنّها لم تقدّم شيئاً في طرف الاستجابة، التي بقيت على حالها ولم تطلها يد التغيير. فما توصّل إليه بافلوف هو أنّ سيلان اللعاب الذي كان استجابةً لتقديم الطعام يمكن أن يكون استجابة لمنبّه آخر هو دقّ الجرس تمّ إشراطه بالمنبّه الطبيعي المتقدّم.
وهذا- كما قلنا- مختلف عمّا نحن فيه؛ فإنّ الاستجابة الحاصلة بالتجربة عبارة عن قضيّة جزئيّة، وما نبحث عنه ونريد تفسيره عبارة عن قضيّة كلّيّة؛ فالاختلاف إذن حاصلٌ في طرف الاستجابة. ولهذا يعجز ما ذكرته المدرسة السلوكيّة عن تفسير حصول العلم بالعلّيّة.
معنى آخر لحصول العلم بالعلّيّة من خلال العادة:
نعم، يمكن أن يقال في مقام استفادة حصول العلم بالعلّيّة من خلال العادة: إنّ الحاصل من إيجاد الألِف في المرّة الاولى وترتّب الباء هو العلم بعلّيّة الألِف للباء على نحو القانون العامّ. ثمّ يتكرّر ذلك في التجربة الثانية والثالثة وهكذا .. ففي هذا الفرض يمكن القول: إنّ النفس تعتاد على العلم بالعلّيّة