جزئيّتين، يجتمعان بحيث تأنس النفس باجتماعهما وتستوحش من افتراقهما؛ ولذلك فإنّها- كما قلنا- تعمد إلى خلق الآخر وإيجاده إذا ما وجد الأوّل دونه.
ولذلك إذا عمدنا إلى الورقة وقرّبناها من النار وأغمضنا أعيننا، حصل في نفسنا تصديقٌ باحتراقها، إلّاأنّ هذا التصديق تصديقٌ بقضيّة جزئيّة، وهي أنّ هذه الورقة احترقت.
ولكنّنا إذا أردنا الحديث عن القضيّة الحقيقيّة التي يؤخذ موضوعها مقدّراً- بخلاف القضيّة الجزئيّة التي يكون موضوعها صادقاً في الخارج- فالمسألة تختلف؛ لأنّنا في هذه الحالة نتحدّث عن أ نّه «كلّما اقتربت ورقةٌ- مطلق ورقة، لا هذه الورقة- من النار، فإنّها تحترق». ومن الواضح أنّ التصديق المطروح في القضيّة الحقيقيّة يختلف عن سنخ التصديق الذي اعتادت النفس على إيجاده، وهو- على ما ذكرنا- تصديقٌ بقضيّة جزئيّة.
إذا اتّضح هذا الأمر، فحينئذٍ يكون إثبات أنّ العادة كافية في تفسير هذا التصديق ناشئاً من عدم الالتفات إلى المغايرة السنخيّة القائمة بين هذين التصديقين.
مع المدرسة السلوكيّة[1]:
وينبغي على السلوكيّة أن تتوقّف عند هذه الظاهرة؛ لأنّ التجارب التي قام بها بافلوف- والتي تعدّ المرتكز عند المدرسة السلوكيّة- تعتمد على إحلال دقّ الجرس محلّ الطعام. أمّا سيلان اللعاب فيبقى هو سيلان اللعاب، أي أنّ الاستجابة تبقى هي الاستجابة.
وبتعبيرٍ آخر: إنّ ما اكتشفه بافلوف هو أنّ من الممكن أن نجعل دق
[1] راجع: الاسس المنطقيّة للاستقراء: 152، الموقف من التفسير الفسيولوجي