أحدهما توجِد الآخر، ولذلك فإنّها لدى رؤيتها اقتراب الورقة من النار تقوم بإيجاد تصديقٍ بالاحتراق.
وهنا نقول: إنّه لو كان مجرّد الاعتياد على اقتران أحدهما بالآخر هو الملاك في حصول العلم بالعلّيّة لما كان هناك فرقٌ بين ما لو كانت العلّة الاخرى المفترضة للباء (التاء) موجودة بكثرة أو لم تكن كذلك؛ فإنّ العلم بالعلّيّة منوطٌ- بناءً على تفسير هيوم- بمقدار ما يتكرّر اقتران الألِف بالباء، ثماني مرّات أو عشر مرّات أو عشرين مرّة .. ولا علاقة على الإطلاق لمدى توفّر التاء في عالم الخارج. مع أ نّنا نرى بوجداننا أنّ هناك فرقاً في حصول العلم بالعلّيّة بين ما إذا كان استناد الباء إلى التاء- ولو بالمعنى الذي يفهمه هو للاستناد- استناداً إلى علّة متوفّرة، وبين ما إذا كان استناداً إلى علّة غير متوفّرة.
وما نقوله هو: إنّ هذا الأمر لا يمكن تفسيره على أساس العادة المستندة إلى التكرار؛ لأنّ التكرار حاصلٌ في كلٍّ من الحالتين على حدٍّ واحد، فلا بدّ من أن تكون العمليّة مستندة إلى استنتاج عقلي حتّى يكون هناك فرقٌ بين حالة احتمال وجود تاءات كثيرة وبين حالة عدم ذلك.
الاعتراض الثاني: أنّ التصديقين اللذين اجتمعا مع بعضهما لمرّات عديدة- وهما التصديق بأنّ هذه الورقة اقتربت من النار، والتصديق بأنّ هذه الورقة احترقت بالنار- يستندان إلى الحسّ التجريبي الذي هو أساس العلم في المنطق التجريبي، وهما تصديقان بقضيّتين جزئيّتين؛ ففي كلّ مرّة من المرّات التي نجري فيها التجربة يكون التصديقان المذكوران تصديقين بقضيّتين جزئيّتين:
ففي المرّة الاولى نصدّق بأنّ هذه الورقة اقتربت من النار، ونصدّق بأ نّها احترقت. وفي المرّة الثانية كذلك نصدّق بأنّ هذه الورقة اقتربت من النار، ونصدّق بأ نّها احترقت، وهكذا .. إلى حصول العادة.
فالتصديقان إذن على طول خطّ حصول العادة تصديقان بقضيّتين