المنبّه الشرطي- وهو اقتراب الورقة من النار- حتّى في صورة عدم مشاهدة الاحتراق بالحسّ[1].
إذن- وبحسب المذهب السلوكي- فإنّ العلم باحتراق الورقة هو في الحقيقة عمليّة من عمليّات التنبيه الشرطي التي يمكن تفسيرها على أساس علمي، أي على أساس ميكانيكي وآلي في الإنسان، وهذا في الحقيقة تطويرٌ وتكميلٌ للمحاولة التي قام بها هيوم، غاية الأمر أ نّها بيّنت هنا في إطار السلوكيّة الحديثة.
ونحن لا نريد الحديث حول أصل مذهب السلوكيّة ونقده، وإنّما نريد أن ندرس هذه المحاولة ضمن الإطار العامّ؛ لنرى إن كان من الممكن أن تنهض لتفسير العلم بالعلّيّة أم لا.
اعتراضان على محاولة هيوم:
نبدأ أوّل الأمر مع ديفيد هيوم في الاعتراض على ما ذكره، ثمّ نتحدّث عن إمكانيّة توجيه هذه الاعتراضات إلى ما ذكرته المدرسة السلوكيّة في تعبيرها عن تلك الفكرة. ولدينا في الحقيقة اعتراضان على ما ذكره هيوم حول العادة:
الاعتراض الأوّل: قلنا: إنّ هيوم قال بالعلّيّة بمفهومها العلمي بعد أن ألغى المنطق العقلي وشيّد مكانه المنطق التجريبي، وإنّه ذكر أنّ حصول العلم بالعلّيّة يرتكز على مجرّد الاعتياد على مشاهدة الباء لدى مشاهدة الألِف، فوجود التصديقَين في عالم النفس لمرّات عديدة واعتياد النفس على اجتماعهما يجعلها تستوحش من رؤية أحدهما دون الآخر، ولكي لا تستوحش، فإنّها إذا رأت
[1] لمزيد من الاطّلاع راجع: الاسس المنطقيّة للاستقراء: 151، التفسير الفسيولوجي للدليل الاستقرائي