هذه المحاولة الشرّيرة هو عدم وجود هذه الشبهات الطبيعيّة. وبعد أن تنبّه الإنسان إلى هذا العدد الكبير من الشبهات الطبيعيّة والتفت إلى هذه المطالب العلميّة الدقيقية التي كشفتها هذه التجربة، وبعد أن تنبّه إلى أنّ من الممكن إشراط منبّه بمنبّه آخر وإسراء استجابة معيّنة من شيءٍ إلى آخر، بعد هذا كلّه تجدّد الأمل لدى هؤلاء.
إنّ بحث هذا الموضوع بحدوده الواسعة خارجٌ عن محلّ الكلام، ولذلك نكتفي بما يتعلّق بتوظيف هذه التجربة في العلم الاستقرائي وتفسير حصول العلم بالعلّيّة.
وإذا رجعنا إلى المثال السابق حول الحكم باحتراق الورقة لدى اقترابها من النار حتّى لو لم نشاهد الاحتراق بالحسّ، يمكن أن يقال: إنّ رؤية احتراق الورقة عبارة عن منبّه طبيعي يخلق في نفس الإنسان حالة نطلق عليها حالة العلم باحتراق الورقة. وهذا المنبّه الطبيعي شأنه بالنسبة إلينا شأن رؤية الكلب للطعام بالنسبة إليه، والحالة التي أطلقنا عليها اسم حالة العلم بحصول الاحتراق شأنها شأن سيلان لعاب الكلب، بلا فرق بينهما: فكما أنّ الكلب يسيل لعابه لدى تقديم الطعام إليه، فكذلك الأمر بالنسبة إلى الإنسان، حيث يحصل لديه العلم باحتراق الورقة متى ما شاهد تعرّضها للنار.
وإلى جانب ذلك، كان الإنسان يلاحظ دائماً مع رؤيته لاحتراق الورقة رؤية شيءٍ آخر، وهو اقتراب الورقة من النار، فاقترن الاقتراب بالاحتراق لمرّات عديدة. واقتراب الورقة من النار يقابله في تجربة بافلوف دقّ الجرس أثناء تقديم الطعام، كما أنّ الاحتراق يقابله سيلان لعاب الكلب. وكما أنّ لعاب الكلب صار يسيل في المرّات اللاحقة لدى دقّ الجرس ودون رؤيته للطعام، فكذلك الأمر هنا، حيث صار يحصل لدينا العلم باحتراق الورقة لدى تحقيق