نكتة سراية الإشراط من المنبّه الطبيعي إلى منبّه آخر[1].
وكان بافلوف- الذي أجرى تجاربه على كلبه- يلاحظ سيلان لعاب الكلب عند تقديم الطعام إليه ووضعِه بين يديه، فكانت رؤية الكلب للطعام منبّهاً طبيعيّاً يستدعي استجابة طبيعيّة، وهي سيلان اللعاب. ولدينا إلى هنا منبّه طبيعي واستجابة طبيعيّة، وهذا ما يعرفه كلّ الناس.
إلّاأنّ ما قام به بافلوف هو أ نّه قرن مع تقديم الطعام للكلب أشياء اخرى بنحو الشرط المقارن أو المتقدّم، فكان يضغط على الجرس ثمّ يقدّم للكلب الطعام، وأجرى هذه التجربة مدّة من الزمن على هذا المنوال. وبعد هذا وجد أ نّه بمجرّد أن يضغط على الجرس يسيل لعاب الكلب حتّى لو لم يقدّم له الطعام.
ويكون بذلك قد تمكّن من إضافة منبّه جديد- دون إلغاء المنبّه الطبيعي- تمّ الحصول عليه بالعناية، وأطلق عليه اسم (المنبّه الشرطي)، وصار هذا المنبّه الشرطي كالمنبّه الطبيعي سبباً في سيلان لعاب الكلب[2].
إنّ هذه التجربة العلميّة اللطيفة التي قام بها بافلوف تحوّلت إلى نذير شؤم على العلم وعلى الإنسان؛ لأنّها دعت شياطين العلم إلى توهّم إمكان تفسير تمام إدراكات الإنسان وتصوّراته- مهما وصلت إلى أعلى مستويات الفنّ أو الفلسفة أو الأدب- على أساس أ نّها استجابات لمنبّهات معيّنة، والذي كان يحول دون
[1] هذا هو المعروف، ولكنّ التحقيق أنّ فكرة الإشراط والاقتران موجودةٌ بجذورها وبوضوح شديد لدى علمائنا الأقدمين، مثل ابن سينا( ت 428 ه)( الشفاء، الطبيعيّات، النفس 2: 163- 164؛ التعليقات: 161- 162)، وتلميذه بهمنيار( ت 458 ه)( التحصيل: 802)، وأبي بكر ابن طفيل( ت 581 ه)( حيّ بن يقظان: 92)، والرضي الإسترآبادي( شرح الكافية 3: 118- 119؛ شرح الشافية 2: 216- 217). نعم، كان بافلوف أوّل من قعّدها في قالب علمي تجريبي
[2] لمزيد من الاطّلاع راجع: نظريّات التعلّم .. دراسة مقارنة 1: 85- 90