من الاعتراف بها، فالمبرّر لها هو أنّ الكتاب يمثّل- كما ذكرنا- ممارسةً تدريسيّة قد خضعت لنفس الأعراف المتّبعة في مجال التدريس السائد من ناحية المنهج ولغة البحث والتوسّع في الشرح والتوضيح، واتّجهَتْ إلى تعميق المحتوى والمضمون كلّما اتيح لها ذلك، تاركةً تطوير المنهج ولغة البحث إلى حين تتوفّر الظروف الموضوعيّة التي يتطلّبها ذلك»[1].
وخيرُ ما يلخّص رؤية الإمام الشهيد الصدر قدس سره في هذا المجال ما ذكره بنفسه في إحدى محاضراته الصوتيّة، حيث يقول:
«والفقه هنا كما تعلمون تطوّر من حيث الكيف ولم يتطوّر من حيث الكمّ:
تطوّر من حيث الكيف؛ لأنّ أساليبه في الاستنباط تعمّقت وطرائقه في التفكير دقّت، وأصبح العمق العلمي به ابّهة كبيرة، إلّاأ نّه لم يتطوّر كمّيّاً؛ لأنّ الفقه لا يزال يبحث ويتناول نفس المنطقة المحدّدة التي تناولها الفقه منذ ألف سنة أو منذ مئات السنين، لا يزال الفقه يعالج تلك الحدود المغلقة لمشاكل الإنسان، لا يزال الفقه ينظر إلى العالم بمرآة ما قبل مئات السنين ثمّ يعالج هذا العالم.
نستطيع أن نقول: إنّ التطوّر في الفقه عموديٌّ وليس افقيّاً، كيفيٌّ وليس كمّيّاً، أي أ نّه تعمّق عموديّاً ولم يتوسّع افقيّاً. وما لم يتوسّع كمّيّاً ولم ينبثق افقيّاً لا يستطيع أن يبرز الرسالة الإسلاميّة بكلّ شمولها وخصائصها وغناها وقدرتها وإمكاناتها على حلّ مشاكل اليوم، لا يستطيع أن يبرز الإسلام في الصورة التي تجلب انتباه الامّة، هذه الامّة السكرانة بحضارات الكفّار المستعمرين، هذه الامّة التي اغريت بالأفكار الجاهليّة التي غزتها من كلّ صوب وحدب. إنّ هذه الامّة السكرى النشوى بهذه الأفكار الجاهليّة تحتاج إلى قوّة الجذب، وقوّة
[1] بحوث في شرح العروة الوثقى 1: 13- 14