الورقة لدى اقترابها من النار- حتّى في حالة عدم مشاهدتنا إيّاها تقترب منها- لأجاب بأنّ العادة برؤية الورقة تحترق لدى اقترابها من النار هي التي توجد فينا العلم باحتراقها في المرّة اللاحقة حتّى لو لم نشاهدها تحترق.
إذن: العادة برؤية اجتماع هذين التصديقين معاً هي التي تجعلنا نصدّق بالآخر عند تصديقنا بالأوّل حتّى لو لم يتوفّر الأساس الحسّي للعلم التجريبي.
تطوير المدرسة السلوكيّة لفكرة هيوم:
هذا هو معنى العادة عند هذا الفيلسوف، وهو ديفيد هيوم أحد فلاسفة القرن الثامن عشر. ولم نقف- بحدود اطّلاعنا على كلمات الفلاسفة التجريبيّين- على محاولة اخرى غير محاولة هذا الفيلسوف[1]، وإن كانت محاولته هذه قد لاقت تطويراً في الأيّام الأخيرة والبست ثوباً علميّاً من قبل المذاهب السلوكيّة في بحثها عن الإدراك، وهي مذاهب معروفة في مجال علم النفس على ما أشرنا إليه في كتاب (اقتصادنا)[2].
ولا بدّ أ نّكم قرأتم في (اقتصادنا) أنّ السلوكيّة مذهب من المذاهب القائمة في تفسير الإدراك وظواهر النفس البشريّة. كما قرأتم أنّ هذا المذهب يرتكز على التجارب التي قام بها العالم الروسي بافلوف، الذي كان أوّل من التفت إلى
[1] اللهمّ إلّامحاولة جون ستيوارت مل( 1806- 1873 م) التي تقدّمت منه قدس سره الإشارة إليها تحت عنوان:( تمييز المنطق الذاتي عن المنطق التجريبي)، ويبدو أنّ الشهيد الصدر قدس سره قد اطّلع بإيجاز على آراء مِل وفرنسيس بيكون( 1561- 1626 م) من خلال كتاب( المنطق الوضعي) للدكتور زكي نجيب محمود الذي نعلم أ نّه كان موجوداً بين يديه قدس سره عام 1965 م، ثمّ توفّر لديه بعد ذلك كتاب( المنطق الحديث ومناهج البحث) للدكتور محمود قاسم
[2] انظر: اقتصادنا: 89 وما بعدها