الاحتراق عند رؤيته الورقة تقترب من النار، وهذا العلم بالاحتراق يتولّد لديه سواءٌ رأى الاحتراق بعينه أم لم يره.
وفي ما نحن فيه: إذا شاهد ترتّب الباء في مرّات عديدة لدى إيجاد الألِف، فهذا الأمر يجعله يترقّب وجود الباء لدى إيجاد الألِف.
وعلينا هنا أن نشير إلى أنّ هذا الحكم ليس حكماً تجربيّاً؛ باعتبار أنّ هذا الحكم موجودٌ لديه حتّى لو لم يرَ الاحتراق في المرّة الجديدة، بل يكفيه أن يشاهد اقتراب الورقة من النار حتّى يحصل لديه العلم باحتراقها، وحيث إنّ حكمه بذلك غير متوقّف على الرؤية الحسّيّة- والتجربة قائمة على أساس الحسّ- فهذا يعني أنّ هذا الحكم ليس حكماً تجربيّاً كما قلنا.
وفي الوقت نفسه، فإنّ هذا الحكم ليس حكماً رياضيّاً قائماً على أساس العقل الصرف؛ لأنّ العلم الرياضي قائمٌ على التناقض، وفي ما نحن فيه لا تناقضَ في أن نقول: إنّ الألِف لم تجتمع مع الباء في هذه المرّة، مع اجتماعها معها في المرّات السابقة.
إذن: هذا الحكم ليس حكماً تجربيّاً، وفي الوقت نفسه ليس حكماً رياضيّاً قائماً على أساس العقل الأوّل، بل هو حكمٌ قائمٌ على أساس العادة الناشئة من تكرّر المشاهدة، والتي تقتضي وجود هذا عند وجود ذاك.
فهذا الفيلسوف يقول: إنّه لا يراد بالعلّيّة ضرورة غامضة مستبطنة في جوهر العلّة أو المعلول، وإنّما المراد منها ترتّب هذا على ذاك متى وجد. وهذا معنى القانون العلمي الذي جرّد عن المعاني الغيبيّة والميتافيزيقيّة للعلّيّة الفلسفيّة.
وإذا طالبنا القانون العلمي ببيان السبب الكامن وراء حصول العلم باحتراق