اللوازم التي يؤدّي إليها القطع، ولا يتصوّر وقوف هذا التصديق عند مرتبة من المراتب وعدم سرايته إلى الملازم مع فرض الالتفات إلى الملازمة. ومردُّ ذلك إلى أنّ العقل عندما يصدّق بأيّ مرتبة من مراتب التصديق فإنّه إنّما يصدّق بها باعتبار نكتة وربط واقعيّين، ونسبة هذه النكتة إلى تمام اللوازم والملزومات على حدٍّ واحد، فلا بدّ أن يُسري العقلُ تصديقَه من بعضها إلى البعض الآخر إلى أن يصل إلى آخر السلسلة.
أمّا إن كان القطع بملاك الوهم، فإنّه ينشأ من نكتة اخرى، وهي نكتة نفسيّة ذاتيّة ترتكز على ضيق افق القوّة الواهمة، وينجم عن هذه النكتة عدم سراية القطع إلى تمام اللوازم. ومن خلال هذه النكتة استطاع العقل- كما قرّر الشيخ الرئيس[1]– أن يفضح الوهم؛ إذ لو بقيت القوّة الواهمة تقطع بالملازم ثمّ الملازم وهكذا .. لصعب عليها أن تتصوّر أن يكون العالم متناهياً، بحيث يتاح للإنسان أن يصل إلى مكانٍ يمدّ يده خارج هذا العالم فتقع خارجه. وهنا يأتي دور العقل في تسليط الضوء على براهين تناهي الكمّيّات في العالم.
إذن: الفارق بين التصديق بملاك العقل وبين التصديق بملاك الوهم هو أنّ التصديق الأوّل يرتكز إلى نكتة واقعيّة موضوعيّة يسري القطع بواسطتها إلى تمام اللوازم، بينما يرتكز التصديق الثاني إلى نكتة نفسيّة ذاتيّة هي عبارة عن ضيق القوّة الواهمة، وينجم عنها عدم سراية القطع إلى تمام اللوازم.
أمّا وقد فرغنا عن بيان الأصل الموضوعي الذي يبتني عليه البرهان الرياضي، ننتقل إلى الحديث عن نفس هذا البرهان، فنفترض- بغية تسهيل
[1] سبق أن استعرضنا نصّ ابن سينا في هامش المصادرة الثانية من مصادرات المنطق الذاتي، والذي نقلنا عن: المباحثات: 347، فراجع