بأن يكون وجود بعضها مانعاً عن وجود البعض الآخر. وهذا العلم من قبيل العلم الإجمالي بعدم وجود أحد الضدّين في ظرف وجود ضدّه، فنحن نعلم أنّ السواد والبياض لم يجتمعا معاً في هذا الكتاب، ومردّ هذا العلم إلى العلم بالتمانع الموجود بين السواد والبياض.
والآخر: أن يكون العلم الإجمالي في المقام ناشئاً من عدم وجود أحدهما بعينه وامتناعه بحسب الواقع، ولكنّه مشتبهٌ مع غيره. فنحن لا نعلم بالتمانع بين هذين الشيئين عقلًا وذاتاً، إلّاأ نّنا نعلم أنّ واحداً منهما بعينه غير موجود، ولكنّه مشتبهٌ بين عدّة أفراد.
وإذا أردنا أن نضرب مثالًا على ذلك: فلنفرض أنّ شخصاً صادقاً ومعصوماً في إخباره أخبرنا أنّ شخصاً مات، ولكنّنا لم نسمعه جيّداً، فلم نعرف أنّ الذي مات هل هو زيد أم عمرو. ففي هذه الحالة نحن نعلم بأنّ أحدهما قد مات ولم يعد على قيد الحياة، إلّاأنّ هذا العلم الإجمالي ليس ناشئاً من التمانع بين حياتهما؛ لأنّ حياة أحدهما لا تمانع حياة الآخر وليست ضدّاً لها، ولا مانع من كونهما معاً على قيد الحياة، وإنّما نشأ هذا العلم الإجمالي من التردّد في تعيين الشخص الذي أخبر الصادق عن موته ومن الاشتباه بين أحد شخصين، فمنشأ هذا العلم الإجمالي هو العلم بموت شخصٍ وتردّده بين عدّة أفراد.
إذن: تحصّل لدينا أنّ العلم الإجمالي يرجع إلى أحد نحوين: فهو إمّا أن يكون ناشئاً من ملاك التمانع، وإمّا من ملاك عدم التحقّق والتأكّد من فردٍ بعينه وتردّده واشتباهه بين عدّة أفراد.
أمّا إذا افترضنا انتفاء هذين الملاكين معاً، بأن لم يكن هناك تمانع ذاتي بين الأشياء، وفي الوقت نفسه لم يكن هناك تردّدٌ واشتباهٌ بين عدّة أفراد، كأن كان