الاجتهاد والاستنباط بدون استدلال أو نقاش، بينما المقدّمة المطلوبة لا يكفي فيها مجرّد الاستعراض، بل لابدّ من الاستدلال؛ لأنّ الواجب شرعاً في اصول الدين الاقتناع؛ ولأنّ الهدف من المقدّمة ترسيخ دعائم الدين واصوله، ولا يكون الترسيخ إلّا بالاستدلال، غير أنّ الاستدلال له درجات أيضاً، وكلّ درجة- حتّى أبسط وأبدَه تلك الدرجات- مقنعة إقناعاً كاملا.
ولو كان الإنسان طليق الوجدان لكفته أبسط ألوان الاستدلال على الصانع الحكيم ليؤمن: أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخالِقُونَ[1].
ولكنّ الفكر الحديث منذ قرنين من الزمن لم يترك هذا الوجدان طليقاً وصافياً، ومن هنا احتاج الاستدلال- بالنسبة إلى من كان ملمّاً بالفكر الحديث ومناهجه في البحث- إلى تعميق وملء الفراغات التي كان الاستدلال الأبسط والأبده يترك ملأها للوجدان الطليق، وكان أمامي أحد خيارين:
فإمّا أن أكتب لُاولئك الذين لا يزالون يعيشون وجداناً طليقاً بعيداً عن مسارات الفكر الحديث وأكتفي بالاستدلال المبسّط، وحينئذ سوف تكون العبارة واضحةً مفهومةً لمعظم قرّاء الفتاوى الواضحة.
وإمّا أن أكتب لمن تفاعل مع الفكر الحديث أو درس في إطاره، وتعرّف بدرجة واخرى على مواقفه من الإلهيات.
فرأيت أنّ الأحرى هو الثاني، وهكذا كان.
غير أنّي حاولت أن أكون على العموم واضحاً في ما أكتب على مستوى المثقّف الاعتيادي الجامعي أو الحوزوي، وتجنّبت المصطلحات ولغة الرياضة بقدر الإمكان، وتفاديت الإثارات المعقّدة، وكنت في نفس الوقت أحفَظ للقارئ
[1] الطور: 35.