الوجع[1]. وقد اعترف فيما بعد لابن عبّاس أنّ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله كان يريد أن يعيّن عليّاً للخلافة وقد صدّه عن ذلك خوفاً من الفتنة[2].
وسواءاً كان رسول اللَّه صلى الله عليه و آله يريد أن يحرّر حقّ عليٍّ في الخلافة أو لا فإنّ المهمّ أن نتأمّل موقف عمر من طلبه، فهو إذا كان مستعدّاً لاتّهام النبيّ صلى الله عليه و آله وجهاً لوجهٍ بما ينزّهه عنه نصّ القرآن[3] وضرورة الإسلام خوفاً من الفتنة فما الذي يمنعه عن اتّهامٍ آخر له بعد وفاته مهما تلطّفنا في تقديره؟ فلا يقلّ عن دعوى أنّ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله لم يُصدِر عن أمر اللَّه في موضوع الخلافة، وإنّما استخلف عليّاً بوحيٍ من عاطفته، بل كان هذا أولى من تلك المعارضة؛ لأنّ الفتنة التي تقوم بدعوى على النصّ أشدّ ممّا كان يترقّبه عمر من اضطرابٍ فيما إذا كان النبيّ صلى الله عليه و آله قد خلّف نصّاً تحريريّاً بإمامة عليٍّ يعلمه الجميع.
وإذا كان رسول اللَّه صلى الله عليه و آله قد ترك التصريح بخلافة عليٍّ في ساعته الأخيرة لقولٍ قاله عمر فمن المفهوم أن يترك الوصيّ الاحتجاج بالنصوص خوفاً من قولٍ قد يقوله.
ونتيجة هذا البحث: أنّ سكوت أمير المؤمنين عن النصّ إلى حين كان يفرضه عليه:
1- إنَّه لم يكن يجد في رجالات تلك الساعة من يطمئنّ إلى شهادته بذلك.
2- إنّ الاعتراض بالنصوص كان من الحريّ به أن يلفت أنظار الحاكمين إلى قيمتها المادّية، فيستعملون شتّى الأساليب لخنقها.
[1] راجع الرواية في صحيح البخاري 1: 39، باب كتابة العلم
[2] شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 3: 97
[3] حينما يقول:« وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى* إنْ هُوَ إلّاوَحْيٌ يُوحَى» النجم: 3 و 4