وقد كان الموقف يتطلّب من أبي بكر إذا كان يريد أن يقدّم في نفسه زعيماً لتلك الساعة تأبيناً للفقيد الأعظم يتّفق مع العواطف المتدفّقة بالذكريات والحسرات يومئذٍ.
ومَن الذي كان يعبد سيّد الموحّدين حتى يقول: مَن كان يعبد محمّداً فإنّه قد مات؟! وهل كان في كلام عمر معنىً يدلّ على أ نّه كان يعبد رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم؟
أو كانت قد سرت موجة من الارتداد والإلحاد في ذلك المجتمع المؤمن الذي كان يعتصر دموعه من ذكرياته، وصبره وتماسكه من عقيدته حتّى يعلن لهم أنّ الدين ليس محدوداً بحياة رسول اللَّه؛ لأنّه ليس بالإله المعبود؟!
إذن فلم يكن لكلام أبي بكر الذي خاطب به الناس صلة بموقفهم ولا علاقة برأي عمر، ولا انسجام مع عواطف المسلمين في ذلك اليوم وشؤونهم، وقد سبقه به غيره ممّن حاول مناقشة الفاروق، كما سيأتي.
وكان يعاصر هذا الاجتماع الذي تكلّمنا عنه اجتماع آخر للأنصار عقدوه في سقيفة بني ساعدة برئاسة سعد بن عبادة زعيم الخزرج، ودعاهم فيه إلى إعطائه الرئاسة والخلافة فأجابوه[1]. ثمّ ترادّوا الكلام، فقالوا: فإن أبى المهاجرون وقالوا: نحن أولياؤه وعترته؟ فقال قوم من الأنصار: نقول:
منّا أمير ومنكم أمير، فقال سعد: فهذا أوّل الوهن، وسمع عمر الخبر، فأتى منزل رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم وفيه أبو بكر، فأرسل إليه أن اخرج إليَّ، فأرسل إنّي مشغول، فأرسلَ إليه عمر أن اخرج فقد حدث أمرٌ لا بُدّ أن تحضره، فخرج فأعلمه الخبر، فمضيا مسرعَين نحوهم ومعهما أبو عبيدة، فتكلّم أبو بكر فذكر قرب المهاجرين من رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم وأ نّهم أولياؤه وعترته، ثمّ قال: نحن الامراء وأنتم الوزراء
[1] تأريخ الطبري 2: 233