سبيل تيسير العمليات التي يقومون بها، وتحديد الموقف المشترك أمام الطبيعة وضدّ القوى المعادية.
وإنّما تعلّم الإنسان أن يتّخذ هذا الاسلوب- اسلوب اللغة- بالذات للتعبير عن أفكاره في ضوء ما تمّ بفعل الطبيعة أو المصادفة من إشراط بعض الأصوات ببعض المنبّهات الطبيعية عن طريق اقترانها بها مراراً. فقد استطاع الإنسان أن ينتفع بذلك في نطاق أوسع، فوجدت اللغة في حياته.
وهكذا نعرف أنّ اللغة بوصفها ظاهرة اجتماعية إنّما نجمت عن إحساس الإنسان خلال العمل الاجتماعي المشترك بالحاجة إلى ترجمة أفكاره والإعلان عنها، وليست هي التي خلقت من الإنسان كائناً مفكّراً.
وعلى هذا الأساس نستطيع أن نعرف لماذا ظهرت اللغة في حياة الإنسان دون غيره من أنواع الحيوان، كما ألمحنا سابقاً؟ بل أن نعرف أكثر من ذلك: لماذا وجد المجتمع الإنساني ولم يوجد مجتمع كهذا لأيّ كائن حيّ آخر؟ فإنّ الإنسان لمّا كان قادراً على التفكير فقد اتيح له وحده أن يتخطّى حدود الإحساس، فيغيّر من الواقع الذي يحسّه، وبالتالي يغيّر من إحساساته نفسها تبعاً لتغيير الواقع المحسوس، ولم يُتَح هذا لأيّ حيوان آخر لا يملك قدرة على التفكير؛ لأنّه لا يستطيع أن يدرك ويفكّر في شيء سوى الواقع المحسوس بأشكاله الخاصّة، فلا يمكنه أن يغيّر الواقع إلى شيء آخر.
وهكذا كان التفكير هو الذي خصّ الإنسان بالقدرة على تغيير الواقع المحسوس تغييراً حاسماً.
ولمّا كانت عملية تغيير الواقع هذه تتطلّب في كثير من الأحايين جهوداً متنوّعة وكثيرة فهي تتّخذ لأجل ذلك طابعاً اجتماعياً؛ إذ يقوم بها أفراد متعدّدون وفقاً لنوعية العملية ومدى الجهود التي تتطلّبها، وبذلك توجد علاقة اجتماعية