انعكاس عقلي للأوضاع الاقتصادية والعلاقات الاجتماعية التي يعيشها، وهو ينمو ويتطوّر طبقاً لتطوّر تلك الأوضاع والعلاقات.
وعلى هذا الأساس شيّدت الماركسية نظريتها في المعرفة، وقالت بالنسبية التطوّرية، وأنّ المعرفة ما دامت وليدة ظروفها الاقتصادية والاجتماعية فهي ذات قيمة نسبية محدودة بتلك الظروف، ومتطوّرة تبعاً لها. فلا توجد حقيقة مطلقة، وإنّما تتكشّف الحقائق بشكل نسبي من خلال العلائق الاجتماعية، وبالمقدار الذي تسمح به هذه العلائق.
هذه هي النتيجة التي وصلت إليها المادية التأريخية في تحليل المجتمعات، وهي النتيجة التي كان لا بدّ لها أن تصل إليها، وفقاً لطريقة فهمها للمجتمع والتأريخ.
وبالرغم من وصول الماركسية إلى هذه النتيجة في تحليلها الاجتماعي، أبت أن تطبّق هذه النتيجة على نظريتها التأريخية نفسها. فنادت بالمادية التأريخية كحقيقة مطلقة، وأعلنت عن قوانينها الصارمة بوصفها القوانين الأبدية التي لا تقبل التغيير والتعديل، ولا يصيبها شيء من عطل أو عجز في المجرى التأريخي الطويل للبشرية، حتّى كأنّ المفهوم الماركسي للتأريخ نقطة انتهاء للمعرفة البشرية كلّها، ولم تكلّف الماركسية نفسها أن تتساءل: من أين نشأ هذا المفهوم الماركسي؟ أو أن تخضعه لنظريتها العامة في المعرفة. ولو كلّفت الماركسية نفسها شيئاً من ذلك- كما يحتّمه عليها الحساب العلمي- لاضطرّت إلى القول: بأنّ المادية التأريخية بوصفها نظرية معيّنة قد انبثقت من خلال العلاقات الاجتماعية والاقتصادية. فهي ككلّ نظرية اخرى نابعة من الظروف الموضوعية التي تعيشها.
وهكذا نجد كيف أنّ المادية التأريخية تحكم على نفسها، من ناحية أ نّها تعتبر كلّ نظرية انعكاساً محدوداً للواقع الموضوعي الذي تعيشه، ولا تعدو هي