بسبب تعثّر علاقتها وتخفّيها مع ردود الفعل التي تؤثّر بها فإنّ عصرنا قد بسّط هذه العلائق كثيراً بحيث أمكن حلّ اللغز، فمنذ انتصار الصناعة الكبرى لم يعد خافياً على أحد في إنكلترا بأنّ النضال السياسي كلّه يدور فيها حول طموح طبقتين إلى السلطة، ألا وهما: الارستقراطية العقارية، والبورجوازية»[1].
ومعنى هذا: أنّ ملاحظة الوضع الاجتماعي في فترة معيّنة من حياة اوروبا أو إنكلترا خاصّة كانت كافية في رأي المفكّر الماركسي الكبير أنجلز لليقين العلمي بأنّ العامل الاقتصادي والتناقض الطبقي هو العامل الأساسي في التأريخ الإنساني كلّه، بالرغم من أنّ فترات التأريخ الاخرى لا تكشف عن ذلك؛ لأنّها غائمة معقّدة، كما اعترف بذلك أنجلز نفسه، فمشهد واحد من مشاهد التأريخ في القرن الثامن عشر أو التاسع عشر استطاع أن يقنع الماركسية بأنّ القوى المحرّكة للتأريخ عبر عشرات الآلاف من السنين هي قوى العامل الاقتصادي، يقنعها بذلك لا لشي إلّالأنّ هذا العامل هو الذي بدا لها أ نّه مسيطر على ذلك المشهد التأريخي الخاصّ، مشهد إنكلترا في تلك الفترة المحدودة من تأريخها. مع أنّ سيطرة عامل معيّن على مجتمع في فترة خاصّة لا تكفي للتدليل على سيطرته الرئيسية في كلّ أدوار التأريخ وفي كلّ المجتمعات؛ إذ قد يكون لهذه السيطرة نفسها أسبابها وعواملها الخاصّة. فيجب قبل إصدار الأحكام النهائية في حقّ التأريخ أن يُقارَن المجتمع الذي بدا العامل الاقتصادي مسيطراً عليه بالمجتمعات الاخرى، حتّى
[1] لودفيج فيورباخ: 95