هي طريقة الاتفاق، ثمّ يعزل (ب) ليرى هل يزول (أ) تبعاً لذلك، وهذه هي طريقة الاختلاف. ومن الواضح أنّ الباحث التأريخي لا يتمكّن من تغيير الواقع التأريخي للإنسانية، ولا يقدر على شيء من ذلك.
ولنأخذ مثلًا على ذلك: الدولة بوصفها ظاهرة تأريخية، والحرارة بوصفها ظاهرة طبيعية، فإنّ العالم الطبيعي إذا حاول أن يفسّر الحرارة تفسيراً علمياً ويستكشف السبب الرئيسي لها أمكنه أن يفترض أنّ الحركة هي سبب الحرارة إذا أدرك اقترانهما في حالات عديدة. ولكي يتأكّد من صحّة هذا الافتراض يستعمل طريقة الاتفاق، فيقوم بعدّة تجارب، يحاول في كلّ واحدة منها إبعاد شيء من الأشياء التي تقترن بالحركة والحرارة؛ ليتأكّد من أنّ الحرارة توجد بدونه وأ نّه ليس سبباً لها. ويستعمل أيضاً طريقة الاختلاف، فيحاول أن يقوم بتجربة يفصل فيها الحركة عن الحرارة؛ ليتبيّن ما إذا كان من الممكن أن توجد حرارة بدون حركة، فإذا كشفت التجربة: أنّ الحرارة توجد متى ما وجدت الحركة مهما كانت الظروف والأحداث الاخرى، وأ نّها تختفي في الحالات التي لا توجد فيها حركة ثبت علمياً أنّ الحركة هي سبب الحرارة.
وأمّا الباحث التأريخي حين يتناول الدولة بصفتها ظاهرة تأريخية في حياة الإنسان فهو قد يفترض أ نّها نتاج مصلحة اقتصادية لفئة معيّنة من المجتمع، ولكنّه لا يستطيع أن يدحض الافتراضات الاخرى بالتجربة، فلا يمكنه مثلًا أن يبرهن تجريبياً على أنّ الدولة ليست نتاجاً لنزعة سياسية في نفس الإنسان أو لحالة تعقيد معيّنة في الحياة المدنية والاجتماعية؛ لأنّ غاية ما يتاح للباحث التأريخي أن يضع إصبعه على عدد من الحالات التأريخية التي اقترن فيها ظهور الدولة بمصلحة اقتصادية معيّنة، ويحشد عدداً من الأمثلة التي وجدت فيها الدولة والمصلحة الاقتصادية معاً. وهذا ما يسمّى في المنطق التجريبي أو العلمي بطريقة