ترتكز على أساس ديني، وتتمثّل في جماعات لا تشترك في مصلحة طبقية، وإنّما تشترك في طابع ديني واحد.
وكذلك إذا أمكن أن نفترض أنّ نشوء الدولة في المجتمع الإنساني كان إشباعاً لنزعة أصيلة في النفس الإنسانية، التي تملك استعداداً كامناً للميل إلى السيطرة والتفوّق على الآخرين، فكانت الحكومة من وحي هذا الميل وتعبيراً عملياً عنه.
ولا اريد أن أستقصي كلّ الفرضيات التي يمكن تفسير الدولة على أساسها، وإنّما أرمي من وراء هذا إلى القول بأنّ تفسير الماركسية للدولة لا يمكن أن يكتسب طابعاً علمياً ما لم يستطع أن يدحض سائر تلك الافتراضات، ويقدّم الدليل من الواقع على زيفها.
وقد سقنا تفسير الماركسية للدولة كنموذج لسائر مفاهيمها وفرضيّاتها التأريخية التي تفسّر المجتمع الإنساني على أساسها، فإنّ جميع تلك الفرضيات تتطلّب من الماركسية- لكي تصبح نظريات علمية جديرة بالقبول- أن تقدّم الدليل على كذب كلّ فرضية سواها، ولا يكفي لقبولها أن تكون فرضيات ممكنة صالحة للانطباق على الواقع وتفسيره.
فلنرى إذن ماذا يمكن للماركسية أن تقدّمه من دليل علمي بهذا الصدد؟ إنّ أوّل وأهمّ عقبة تواجه الماركسية في هذا المجال هي العقبة التي تضعها في طريقها طبيعة البحث التأريخي؛ ذلك أنّ البحث في المجال التأريخي (نشوء المجتمع، وتطوّره، والعوامل الأساسية فيه) يختلف عن البحوث العلمية في مجالات العلوم الطبيعية التي يستخلصها العالم الفيزيائي- مثلًا- من تجاربه العملية في المختبر.
فالباحث التأريخي والعالم الفيزيائي وإن كانا يلتقيان عند نقطة واحدة، وهي: أنّ كلّاً منهما يتناول مجموعة من الظواهر- ظواهر المجتمع البشري كالدولة