شيءٍ طاهر.
ولكن يمكن أن يبيَّن الاحتمال الرابع بتقريبٍ آخر لا يتّجه عليه هذا الإيراد، وحاصله: أنّ طهور بمعنى طاهر، مع ملاحظة نكتةٍ زائدةٍ تتميّز بها كلمة «طهور» على «طاهر»، وهي: أنّ التصاق الطهارة بالماء، يكون من قبيل التصاق الشيء بمنبعه ومعدنه، فكأنّ الماء فرض معدناً للطهارة ومفيضاً لها ولو بالنسبة إلى نفسه، حيث إنّه كلّما القيت فيه القذارة والنجاسة تغلب عليها بما ينبع منه من الطهارة، ويبقى نفسه طاهراً، فهذا معنىً محتمل في كلمة «طهور»، وهو سنخ معنىً لا يناسب إطلاقه على أشياءٍ طاهرةٍ من قبيل الفراش والثوب؛ لعدم صدق تلك النكتة الزائدة عليها بحسب النظر العرفي.
بل قد يُدّعى: أنّ باقي المعاني لكلمة «طهورٍ»، أو لصيغة «فعولٍ» عموماً- أعني النسبة التأثيرية والآليّة والمبالغة- راجعة إلى هذا المعنى، بأن يقال: إنّ صيغة «فعولٍ» ليست بمعنى النسبة التأثيرية تارةً، وبمعنى الآليّة اخرى، وبمعنى المبالغة ثالثةً، وبمعنى المعدنية وفيضان تلك المادّة من ذلك الشيء رابعةً، بل هي دائماً بهذا المعنى الرابع، أعني اتّصاف الشيء بوصفٍ مع كونه بنحوٍ يعدّ معدناً لذلك ومنبعاً له، غاية الأمر أنّ معدنيّته لذلك الوصف ينتزع عنها ويفهم منها- بنظر العرف- امور مختلفة باختلاف المناسبات، فقد يستفاد منها الآلية، وقد يستفاد منها المبالغة والشدّة، وقد يستفاد منها الإفاضة بالنسبة إلى غيره. فكون الشيء معدناً ومنبعاً لمبدأ الاشتقاق يفيد واحدةً من هذه الخصوصيّات حسب اختلاف المناسبات.
ومن هنا قد يقال: إنّ «طهور» تدلّ على معدنية الماء للطهارة ومنبعيّته لها، وهذه المعدنية والمنبعية تناسب في باب الطهارة المطهّرية، فتدلّ كلمة «طهور» بهذا اللحاظ على مطهّرية الماء، وفي طول ذلك تستفاد الآلية، باعتبار أنّ الماء