الحسّيّين، بل المعنويّين فقد اطلق لفظ «السماء» على المعنويّ في قوله تعالى: «وَ فِي السَّماءِ رِزْقُكُمْ وَ ما تُوعَدُونَ»[1]، واطلق لفظ «الإنزال» على المعنويّ في قوله تعالى: «قَدْ أَنْزَلْنا عَلَيْكُمْ لِباساً يُوارِي سَوْآتِكُمْ …»[2]، فليكن الإنزال من السماء جمعاً بين المعنويّين، فيراد: الإنزال المعنويّ من السماء المعنوية.
وفيه: أنّ هذا وإن لم يكن بعيداً عن اللغة- إذ يمكن القول بأنّ معنى الإنزال والسماء أعمّ لغةً من المصداق الحسّي، وإنّما ينصرف ذهننا إلى خصوص المصداق الحسّيّ بدلًا عن المعنوي، لشدّة انس ذهننا بالمادّيات- لكن ليس للآية ظهور- على أيّ حالٍ- في إرادة الإنزال والسماء المعنويّين إن لم نقل بظهورها في ماء المطر، باعتبار شدّة انس الذهن بأنّ ماء السماء هو المطر، وشيوع استعماله في ذلك عرفاً. ويكفي مجرّد الإجمال وتردّد الإنزال بين المادّيّ والمعنويّ لتثبيت الإشكال والمنع عن الإطلاق؛ لأنّه يكون محفوفاً بما يحتمل قرينيّته، فيبتلي بالإجمال، ولا ينعقد للآية ظهور في الإطلاق.
الثالث: أنّ جميع المياه نزلت من السماء، كما تدّعيه بعض الفرضيات الحديثة، فلا تكون كلمة «الإنزال» موجبةً للتقييد.
وفيه: أنّ هذا وإن كان ممكناً في نفسه لكنّ التصديق به يحتاج إلى دليلٍ عقليٍّ أو نقلي، وكلاهما مفقود في المقام.
أمّا الأوّل فلأنّ الدليل العقليّ المتصوّر في المقام هو الأدلّة العلمية القائمة على أساس التجربة، ولم يقم أيّ دليلٍ علميٍّ على ذلك، وإنّما هي فرضية فرضها بعض العلماء في مقام تفسير تكوّن المياه، وأ نّه بشدّة الحرارة حصل البخار وأدّى
[1] الذاريات: 22
[2] الأعراف: 26