مع أنّ المفروض أنّ دليل الانفعال بالتغيّر قد أصبح مورده مختصّاً بالمياه المعتصمة بعد إخراج القليل غير المعتصم بالتخصيص، فيكون أخصّ مطلقاً من مجموع أدلّة الاعتصام، فيقدّم على المجموع بالأخصّية. وبعد تقديمه على المجموع بالأخصّية تقع المعارضة بين نفس إطلاقات أدلّة الاعتصام وتتساقط، من قبيل ما يقال في «لا ضرر» من أ نّه لو لوحظ دليل «لا ضرر» مع كلّ دليلٍ بالخصوص- كدليل وجوب الوضوء مثلًا- فالنسبة بينهما العموم من وجه، لكن حينما يلحظ دليل «لا ضرر» مع مجموع الأدلّة فهو أخصّ مطلقاً منها، فيقدم على المجموع، وتتساقط إطلاقات الأدلّة بالتعارض.
وهكذا يتّضح أنّ انقلاب النسبة في المقام إنّما يجعل دليل الانفعال بالتغيّر بعد تخصيصه أخصّ مطلقاً من مجموع أدلّة الاعتصام، لا من دليل اعتصام ماء المطر بالخصوص.
ولكنّ هذا التقريب غير تامٍّ حتّى مع القول بانقلاب النسبة:
أمّا أوّلًا فلأ نّه مبنيّ على افتراض أن يكون لدليل كلّ قسم من أقسام الماء المعتصم إطلاق يقتضي نفي الانفعال حتّى مع التغيّر، وسوف يأتي[1]– إن شاء اللَّه تعالى- أنّ دليل اعتصام الماء النابع ليس له مثل هذا الإطلاق. وعليه فلا يتصوّر تقديم دليل الانفعال على مجموع أدلّة الاعتصام لكي تقع المعارضة بعد ذلك بين إطلاقات نفس أدلّة الاعتصام؛ لأنّ مجموع أدلّة الاعتصام لا يقتضي نفي الانفعال عن مطلق المعتصم مع التغيّر ما دام دليل اعتصام بعض أقسام المعتصم لا إطلاق له.
وأمّا ثانياً فلو سلّم أنّ في أدلّة كلّ قسمٍ من أقسام المعتصم ما يكون مطلقا
[1] يأتي في الصفحة 255