وهذا الوجه لا يتوقّف على دعوى أنّ النجس لا يصدق عليه عرفاً أ نّه لاقى الماء أو المضاف بتمامه، بل حتّى لو سلّم صدق ملاقاته للمضاف بتمامه يقال بأ نّه لا دليل على الحكم بنجاسة الجزء العالي منه؛ لعدم شمول الإجماع له.
وهذا الوجه غير تامٍّ، بناءً على أنّ الدليل اللفظيّ على انفعال الماء القليل والمضاف بالملاقاة تامّ كما تقدّم، فلا بدّ من ملاحظة إطلاقه.
الثاني: أن يبنى في تفسير السراية في المقام الأوّل على الوجه الرابع؛ وذلك بأن يقال- بعد فرض تسليم وجود دليلٍ لفظيٍّ يدلّ على انفعال المضاف بالملاقاة-: إنّ هذا الدليل بمجرّده لا يثبت سراية النجاسة إلى غير السطح الذي حصلت معه الملاقاة، فالسراية إنّما هي بدليلٍ خاصٍّ، كالإجماع، والروايات الخاصّة. وهذا الدليل الخاصّ لا يشمل محلّ الكلام، ولا يقتضي السراية إلى الجزء العالي؛ لعدم الإجماع على ذلك، وخروجه عن مورد الروايات.
ويرد عليه ما تقدّم من أنّ السراية في باب المائعات ثابتة بنفس دليل الانفعال بقرينة الارتكاز العرفي، فلا بدّ من ملاحظة كيفية استفادة السراية منه، لنرى مدى شمولها لمحلّ الكلام.
الثالث: أن يبنى على الوجه الأوّل للسراية في المقام السابق؛ وذلك بأن يقال- بعد الفراغ عن أنّ كلًاّ من الانفعال والسراية ثابت بالدليل اللفظي-: إنّ النجس الملاقي للمائع ينجِّس الجزء الملاقي له، وإنّما تسري النجاسة إلى باقي الأجزاء بتحرّك هذا الجزء وتغلغله في باقي الأجزاء.
وهذا الوجه للسراية لا ينطبق على محلّ الكلام؛ لأنّ الجزء السافل- بحكم كونه سافلًا- لا يمكن أن يتحرّك نحو العالي وينفذ فيه لكي تسري النجاسة إليه.
وهذا الوجه غير صحيح؛ لِمَا تقدّم في المقام الأوّل من أنّ مدرك السراية ليس هو هذا الوجه.