فخُيِّل لهم- على مرّ الزمن- أنّهم يحتكرون (الله) لأنفسهم، بينما الشعوب والقبائل الاخرى هي ذات آلهةٍ شتّى وأصنامٍ شتّى.
ويُشير القرآن الكريم إلى فكرة الاحتكار التي كان يعتقدها اليهود بالنسبة إلى الله تعالى[1].
ب- فكرة التوحيد في الإنجيل:
في الكتاب الثاني صَعَدَت فكرة (الله) مرتبة؛ وذلك لأنّ الطابع القومي انتُزع عن هذه الفكرة، أصبح (الإله) المقدَّم من قبل تلامذة المسيح للعالم إلهاً عالميّاً لا فرق فيه بين شعب وشعب[2]، هو إلهُ العالَم على الإطلاق، إلّا أنّ هذا الإله- الذي هو إله العالم على الإطلاق- لم يغادر منطقةً قريبة من ذهن الإنسان المحسوس، لم يُجرَّد تجريداً كاملًا عن عالم الحسّ، بقي على صلةٍ وثيقةٍ جدّاً بالإنسان الحسّي، كأنّه أبوه، ولهذا يُعبَّر في الأناجيل كثيراً عن الإنسان بأنّه (ابن الله)[3].
المسيحيّة الرسميّة تفسّر هذا الإنسان بعيسى بن مريم: أنّ عيسى بن مريم هو ابن الله. لكن لا أظنّ أنْ يُقصد به هذا؛ الأناجيل تعبّر عن الإنسان
[1] لاحظ قوله تعالى: وَ قالَتِ الْيَهُودُ وَ النَّصارى نَحْنُ أَبْناءُ اللَّهِ وَ أَحِبَّاؤُهُ المائدة: 18؛ قُلْ يا أَيُّهَا الَّذِينَ هادُوا إِنْ زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِياءُ لِلَّهِ مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ الجمعة: 6؛ وَ قالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كانَ هُوداً أَوْ نَصارى البقرة: 111؛ وَ قالُوا كُونُوا هُوداً أَوْ نَصارى تَهْتَدُوا البقرة: 135.
[2] إنّ الفكرة المقدّمة في الإنجيل عن نبي الله عيسى( عليه السلام) هي أنّه لم يُرسل« إلّا إلى خراف بيت إسرائيل الضالّة» كما نقلوا عنه أثناء انصرافه إلى نواحي صور وصيداء، فراجع: الكتاب المقدَّس، العهد الجديد: 28 ج-، إنجيل مَتّى، الأصحاح الخامس عشر، وهو موافقٌ لما ورد عندنا من أنّ« الله عزّ وجلّ أرسل عيسى( عليه السلام) إلى بني إسرائيل خاصّة، فكانت نبوّته ببيت المقدس» كمال الدين وتمام النعمة: 220، الحديث 2.
[3] انظر: الكتاب المقدَّس، العهد الجديد: 6 ج-، إنجيل مَتّى، الأصحاح الرابع؛ 56 ج-، إنجيل مَرقُس، الأصحاح الأوّل؛ 60 ج-، إنجيل مَرقُس، الأصحاح الثالث؛ 90 ج-، إنجيل لوقا، الأصحاح الأوّل؛ 96 ج-، إنجيل لوقا، الأصحاح الثالث؛ 146 ج- و 147 ج-، إنجيل يوحنّا، الأصحاح الأوّل.