ولهذا يمكن أن نستلهم [من] هذين الكتابين في سبيل تقدير وتحديد الروح الدينيّة العامّة لمرحلتين من مراحل الإنسان التي عاشها مع النبوّة.
بطبيعة الحال هنا نرى فارقَ درجةٍ وتطوّراً في مفهوم التوحيد المُعطى:
أ- فكرة التوحيد في التوراة:
التوحيد[1] في الكتاب الأوّل يقوم على أساس إعطاء (إله)[2]، هذا الإله لا يستطيع هذا الكتاب أن ينتزع عنه الطابع القومي المحدود، فيشدّ هذا الإله إلى جماعةٍ معيّنةٍ، إلى شعبٍ معيَّن، هذا الشعب المعيَّن هو الشعب الذي قُدِّر أن تنزل الرسالة فيه، وأن يكون النبيُّ منه، فكانت التوراة باستمرارٍ تقدّم الإله في إطارٍ قومي، كأنّه إلهُ هؤلاء في مقابل الأصنام والأوثان التي هي آلهة سائر الشعوب والقبائل.
فلم تقل التوراة بشكلٍ صريحٍ عميقٍ لهؤلاء: إنّ هناك إلهاً واحداً للجميع، وإنّ هذه الأصنام والأوثان يجب أن ترفضها البشريّة، وإنّما كأنّها عوضّت هؤلاء بالخصوص عن صنمٍ معيَّن ووثنٍ معيّنٍ بإلهٍ يعبدونه بدلًا عن هذا الصنم.
هذا الشيء الذي بعث في نفوس هؤلاء القوم[3]– تاريخيّاً- الشعورَ بالاعتزاز، والشعور بالزهوّ والخيلاء على بقيّة الشعوب الاخرى، هذا الشعور الذي لم يوجد في شعوبٍ متأخّرةٍ نزلت فيها نبوّات التوحيد، على أساس أنّ الإله الذي اعطي إليهم كان إلهاً مشوباً بشيءٍ من المحدوديّة والطابع القومي،
[1] في المحاضرة الصوتيّة:« فبينما التوحيد»، وقد حذفنا« فبينما» نظراً إلى تأخّر الحديث عن عِدل مدخولها إلى العنوان القادم.
[2] يظهر من المحاضرة الصوتيّة أنّ الشهيد الصدر( قدّس سرّه) أراد إضافة شيء، ثمّ أهمله وأكمل، ومراده( قدّس سرّه):« إعطاء مفهوم عن إله».
[3] يقصد( قدّس سرّه): اليهود.