أن يكون على مستوى هذه الرسالة.
ومن الواضح أنّ الأنبياء- كغير الأنبياء- يتفاوتون في درجات تلقّيهم للمعارف الإلهيّة عن طريق الوحي من قبل الله تعالى، ولهذا كانت بعض الرسالات محدودةً بحكم محدوديّة قابليّة الأنبياء أنفسهم؛ حيث إنّ هذا النبيّ ليس مؤهّلًا لأنْ يحمل هموم البشريّة على الإطلاق: في كلّ زمانٍ ومكان، بل هو مهيَّأٌ لأنْ يحمل هموم عصره فقط، أو هموم مدينته فقط، أو هموم قبيلته فقط. وإنّ[1] ذاك الشخص الذي يحمل هموم البشريّة على الإطلاق، ويعيش مشاكلها على الإطلاق، ويكتوي بنارها على الإطلاق، ليس إلّا الدرجة العالية من الدعاة إلى الله من الأنبياء والأوصياء.
فإذا كانت النبوّة محدودةً بطبيعة قابليّات هذا النبي، فكان لا بدّ- في خارج هذه الحدود الزمانيّة أو المكانيّة- من نبوّةٍ اخرى تمارس عملها في سبيل الله.
السبب الرابع: تطوّر الإنسان المدعوِّ:
وأخيراً: من جملة الأسباب التي تدعو إلى تغيير النبوّة هو تطوّر البشريّة، تطوّر نفس الإنسان (المدعو)، لا محدوديّة الإنسان (الداعي) كما في ما سبق، بل محدوديّة الإنسان المدعو، وكون الإنسان المدعو يتصاعد بالتدريج لا بالطفرة، وينمو على مرّ الزمن في أحضان هذه الرسالات الإلهيّة، فيكتسب من كلّ رسالةٍ إلهيّةٍ درجةً من النموّ تهيّئُهُ وتعدُّه لكي يكون على مستوى الرسالة الجديدة، وأعبائها الكبيرة، ومسؤوليّاتها الأوسع نطاقاً.
وفكرة التطوّر هنا لا بدّ وأن تحدَّد إجمالًا ملامحُها ومعالمُها:
[1] صوت الشهيد الصدر( قدّس سرّه) هنا غير واضح، ولعلّه ما أثبتناه.